في خضم تلك المعركة الحاقدة حاول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ومن معه من المصلحين دحض الموجة الاستعمارية وما روجت له -عن طريق أتباعها فيما بعد- من اللحاق بركب الحضارة الغربية واقتفاء آثار تقدمها ونهج منهجها، وذلك بإصلاح مناهج التعليم الزيتوني والتركيز على النهوض بالعلم والتربية كطريق للمقاومة والنهضة، ولكن الهجمة كانت أكبر من تفسير » التحرير والتنوير «.
وما حاول أن يكمله رجالات الحركة الإسلامية الحديثة اليوم من حمل المشعل بعيد عن أن يكون من نفس النوع والقيمة التي خطها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور. ولئن قدمت الحركة الإسلامية في تونس ومن قبلها حركة صوت الطالب الزيتوني الشهداء على اغتيال الإسلام في أقدس معالمه "جامع الزيتونة"، إلا أن مداد العلماء يظل خيرا وأبقى من دماء الشهداء، والحال أن المعركة في تونس اليوم معركة علوم وبدائل وليست معركة سياسية لأنه لم يعد هناك مجال للسياسة في وطننا العربي بصفة عامة.
ولئن كانت ردة فعل الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس –الوريث الوحيد للزيتونة ورجالها- هو السياسة والنهج التغييري عبر المقاومة الميدانية وتحريك الشارع، في مقاومة العلمانية والتيارات اليسارية التي دفنت الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور-كتراث - ودفنت تفسيره، فقد سلك الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الطريق الوسط جامعا بين الإثنين، بين التحرك السياسي والميداني في مقاومة المستعمر ومن بعده النظام البورقيبي، والتحرك والتحريك والتحرير العلمي والتربوي والثقافي وما »
التحرير والتنوير « إلا شهادة حية على ذلك.


الصفحة التالية
Icon