أبطل صاحب » التحرير والتنوير « مقولة التواكل والانهزام والتسليم للقضاء والقدر الذي ساد عصر التخلف والجمود بين المسلمين في عصره بانخراطه الواعي والمستميت في طرد المستعمر ورفض أفكاره والأخذ بكل أسباب النهوض والتقدم والاستئناف، ورد على البدائل الغربية بالمثل فوقف على أسباب تقدمها، بدعوته للأخذ بالعلوم والاعتناء بالمناهج التربوية جاعلا "جامع الزيتونة" المحضن لكل تلك الدعوات، وليس المهم أن تكون مدرسة أو زاوية أو حتى نزلا سياحا على شواطئ الوطن القبلي لتحقيق ما دعا إليه ابن عاشور - الذي بدوره أسس وساهم في تأسيس العديد من تلك المدارس الحديثة كما رأينا -، وإنما قصدنا "بجامع الزيتونة" مناهجه، وعدم التخلي عن العلوم الأصلية التي كان يدرسها وهو ما ثبت عليه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وتمسك به طوال حياته، ورفض كل محاولة للتخلي عن التعليم الزيتوني أو تبديله وإنما الذي دعا إليه هو تطويره وإصلاحه، رافضا كل أشكال "العلمنة" (١) [٣٠] بالمصطلح الحديث الذي يفهمه أبناء جلدتنا اليوم.
كما أثبت صاحب »
التحرير والتنوير « والفكر الذي يحمله في كتاباته وبالدليل المحسوس أنه من دعاة الأخذ بأسباب المدنية الحديثة وليس "الحداثة" كما يفهمها أصحاب "Montesqieu" و "Jean-jaques Rousseau" أو غيره في بلادنا. فكتب كتابه » أليس الصبح بقريب« وضمنه رؤيته لإصلاح التعليم وزيادة كل المواد التي لم يدرسها وزير التربية والتعليم في تونس نفسه اليوم.
والأكثر من ذلك كله والأهم هو »
التحرير والتنوير « نفسه وما حمله في صفحاته، إنه حجة ستظل تدافع عن كل » زيتوني « أو حامل لفكر الزيتونة. ورسالة إلى الفكر الإسلامي ودعاته على مدى العصور وفي كل الأقطار مفادها أن إعمال الرأي في هذا الدين ليس كفرا أو حجرا حتى وإن كان حول كلام الله ومراده. ولكن ليس كما يراه أصحاب الهوى والمنسلخون من الدين باسم حرية التفكير والتعبير.


الصفحة التالية
Icon