لقد أعطانا الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور تفسيرا ومنهجا في التفسير - باعتماده أسلوب الحجة والبرهان - بإرساء قواعد البحث والقول في كلام الله، خالق الكون والبشر.
لقد تميز هذا المنهج في التفسير برفضه الطرق السابقة والمعتمدة على المنقول دون غيره، من دون أن يصنف في إعداد التفاسير بالرأي. لأن التفاسير الموصوفة بذلك اعتمدت آراء أصحابها والذي ربما أشارت إليه الأحاديث الواردة في هذا السياق. ولكن الرأي الذي اعتمده الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور هو استعمال فن وعلوم اللغة العربية وليس برأيه الشخصي.
بما أن اللغة العربية هي لغة القرآن ولسان حاله فكل كلام حول اللغة وما تفيده المعاني المستخرجة منه، فهي تبقى من القرآن ومن اللغة وليس من رأي الكاتب مع زيادة تضلع هذا الأخير في مجاله وتمكنه من اختصاصه –اللغة العربية-، وهو ما دعا إليه الشيخ ابن عاشور. لكي يبقى القرآن غنيا يزيد ولا ينقص ويحتمل كل عصر ليس له حدا لمعانيه، لأن الذي يوقف القرآن على معنى لا يزيد بعده – طبعا سوى الآيات الواضحة التي لا تحتمل معنيين مهما اختلف الزمان وتقدمت اللغة - فهو ليس من أصحاب اللغة العربية وبالتالي ليس من أصحاب القرآن.
كما أن من خصائص القرآن الإعجاز فإن لم يكن في كل عصر من يظهر هذا الإعجاز لأهله فكيف يمكن القول بإعجاز القرآن ؟ وإن كنا بعيدين عما يطرحه ابن عاشور من وجوه البلاغة والبيان، فإن ذلك من ضعف ملكة اللغة العربية وتذوقها عندنا، ومن آثار الهجمة الشرسة على اللغة العربية ومعالمها ومحاصرة اللغات الأجنبية لها في بلادنا.


الصفحة التالية
Icon