والتفسير كما يراه الشيخ ابن عاشور " هو شرح مراد الله تعالى من القرآن ليفهمه من لم يصل ذوقه وإدراكه إلى فهم دقائق العربية وليعتاد بممارسة ذلك فهم كلام العرب وأساليبهم من تلقاء نفسه" (١) [٨]. وتتميز رؤيته لعلم التفسير في كونها تتحرر من أسباب الجمود والتقليد والدعوة إلى عدم تقييد فهم القرآن وتضييق معناه، ضمن ما كان يقوله السلف فيه :" إنه لا تنقضي عجائبه ولا تنفد معانيه" ضمن مراد الله تعالى دائما. وذلك بإعمال الرأي والاجتهاد في الآيات التي تحتمل ذلك حسب قواعد العلوم والمواصفات التي حددها لنفسه وأجمع عليها جمهور علماء الأمة. وبما أن التفسير أول العلوم الإسلامية ظهورا، فقد ظهر الخوض فيه منذ عصر النبي - ﷺ - ثم اشتهر فيه بعد ذلك من الصحابة علي وابن عباس وهما أكثر الصحابة قولا في التفسير، وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -، وشاع الخوض في بيان معاني القرآن عن التابعين وأشهرهم في ذلك مجاهد وابن جبير.
وأول من صنف في التفسير عبد الملك بن جريج المكي (٢) [٩] وأكثر روايته عن أصحاب ابن عباس مثل عطاء ومجاهد، هناك روايات واهية منسوبة إلى ابن عباس فهناك رواية مقاتل ورواية الضحاك، ورواية علي بن أبي طلحة الهاشمي كلها عن ابن عباس، وأصحها رواية علي بن أبي طلحة، وهي التي اعتمدها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه. وهنالك روايات تسند لعلي - رضي الله عنهم -، أكثرها من الموضوعات إلا ما روي بسند صحيح، مثل ما في صحيح البخاري. وكتب علماء كثيرون في تفسير القرآن كل حسب اتجاهه وما اعتمد عليه، منهم من سلك النقل بالمأثور عن السلف، وأول من صنف فيه الإمام مالك ابن أنس، وأشهرهم محمد بن جرير الطبري. ومنهم من سلك مسلك النظر ( التفسير بالرأي ) كأبي إسحاق الزجاج، والعلامة الزمخشري، والشيخ بن عطية في الأندلس.


الصفحة التالية
Icon