وقوله تعالى: ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ فهذه الآية تأمرنا أن نحكم بين الناس بالعدل، ويدخل في هذا صغير الأمور وكبيرها، فكل شيء أردنا أن نحكم فيه بين اثنين أن نعدل، والعدل مبني على العلم، فلا يمكن أن تحكم بالعدل وأنت جاهل، فالآية تأمر إذًا بالعلم في كل أمر أردت أن تحكم فيه، فإن كان الحاكم عامًا فلا بد أن يكون عنده من العلم ما يؤهله للحكم، وإن كان الحاكم خاصًا في بعض الأمور كالشقاق بين الزوجين مثلاً، فينبغي أن يكون عارفًا بما يصلح أن يحكم فيه بينهما، ويكون عنده من المعرفة بمشاكل الأزواج، ونفسياتهم، وطرق حل المشاكل الزوجية ما يعينه على ذلك.
وقوله تعالى: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤)﴾ [سورة النمل ٢٧/٣٤]، فالله صدق بلقيس وهي كافرة لما قالت كلمة حق وصدق، حيث قالت: ﴿إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة﴾ قال الله تعالى مصدقًا لها في قولها: ﴿وكذلك يفعلون﴾، فنفهم من هذا أن من جاء بالحق قبلنا منه ذلك، ولو كان فاجرًا، أو كافرًا.
قال الشاعر:
لا تحقرن الرأي وهو موافق...... حكم الصواب إذا أتى من ناقص
فالدُّرُّ، وهو أعز شيء يُقتنى...... ما حَطَّ قيمتَه هوانُ الغائص(١)