أنزل الله عليه كتاباً ساطعاً تبيانه. قاطعاً برهانه وحياً ناطقاً ببينات وحجج. قرآناً عربياً غير ذي عوج، مفتاحاً للمنافع الدينية والدنيوية. مصداقاً لما بين يديه من الكتب السماوية. معجزاً باقياً دون كل معجز على وجه الزمان. دائراً من بين سائر الكتب على كل لسان في كل مكان. أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء. وأبكم من تُحُدِّي به من مصاقع الخطباء. فلم يتصدّ للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم. على أنهم كانوا أكثر من حصى البطحاء. وأوفر عدداً من رمال الدهناء. ولم ينبض منهم عِرْق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط في المضادّة والمضارّة. وإلقائهم الشراشر على المُعازّة والمُعارَّة. ولقائهم، دون المناضلة عن أحسابهم، الخطط. وركوبهم، في كل ما يرومونه، الشطط. إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر. وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر. وقد جرّد لهم الحجة أولاً، والسيف آخراً، فلم يعارضوا إلا السيف وحده. على أن السيف القاضب مخراق لاعب، إن لم تُمضِ الحجة حدَّه. فما أعرضوا عن معارضة الحجة إلا لعلمهم أن البحر قد زخر فطمّ على الكواكب. وأن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب.
( أما بعد ) فقد قال الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه (( الإتقان في علوم القرآن )) ما يأتي :
( النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه. أفرده بالتأليف خلائق لا يُحصون. ثم قال :(( وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة )).
(( وما ورد عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة، فإنها من أصح الطرق، وعليها اعتمد ( البخاري ) في صحيحه )).