والغنم فمنها المركب والمطعم والزينة ﴿والحرث﴾ أي الزرع والغراس لأن فيه تحصيل أقواتهم ﴿ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا﴾ أي إِنما هذه الشهوات زهرة الحياة الدنيا وزينتُها الفانية الزائلة ﴿والله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب﴾ أي حسن المرجع والثواب ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم﴾ أي قل يا محمد أأخبركم بخيرٍ ممّا زُيِّن للناس من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها الزائل؟ والاستفهام للتقرير ﴿لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي للمتقين يوم القيامة جناتٌ فسيحات تجري من خلال جوانبها وأرجائها الأنهار ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي ماكثين فيها أبد الآباد ﴿وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ أي منزهةٌ عن الدنس والخبث، الحسي والمعنوي، لا يتغوَّطن ولا يتبولن ولا يحضن ولا ينفسن، ولا يعتريهن نساء الدنيا ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله﴾ أي ولهم مع ذلك النعيم رضوانٌ من الله وأيُّ رضوان، وقد جاء في الحديث «أُحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً» ﴿والله بَصِيرٌ بالعباد﴾ أي عليم بأحوال العباد يعطي كلاً بحسب ما يستحقه من العطاء. ثم بيّن تعالى صفات هؤلاء المتقين الذين أكرمهم بالخلود في دار النعيم فقال ﴿الذين يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا﴾ أي آمنا بك وبكتبك ورسلك ﴿فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النار﴾ أي اغفر لنا بفضلك ورحمتك ذنوبنا ونجنا من عذاب النار ﴿الصابرين والصادقين والقانتين﴾ أي الصابرين على البأساء والضراء، والصادقين في إِيمانهم وعند اللقاء، والمطيعين لله في الشدة والرخاء ﴿والمنفقين﴾ أي الذين يبذلون أموالهم في وجوه الخير ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾ أي وقت السحر قُبيل طلوع الفجر.
البَلاَغَة: ﴿مِّنَ الله﴾ فيه إِيجاز بالحذف أي من عذاب الله ﴿شَيْئاً﴾ التنكير للتقليل أي لن تنفعهم أيّ نفع ولو قليلاً ﴿وأولئك هُمْ وَقُودُ النار﴾ الجملة إِسمية للدلالة على ثبوت الأمر وتحققه ﴿كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله﴾ فيه التفات من الغيبة إِلى الحاضر والأصل فأخذناهم ﴿لَكُمْ آيَةٌ﴾ الأصل «آيةٌ لكم» وقدّم للإِعتناء بالمقدم والتشويق إِلى المؤخر، والتنكير في آية التفخيم والتهويل أي آية عظيمة ومثله التنكير في ﴿رِضْوَانَ الله﴾ [آل عمران: ١٦٢] وقوله تعالى ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾ و ﴿رَأْيَ العين﴾ بينهما جناس الاشتقاق ﴿حُبُّ الشهوات﴾ يراد به المشتهيات قال الزمخشري: عبَّر بالشهوات مبالغة كأنها نفس الشهوات، وتنبيهاً على خستها لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء ﴿بِخَيْرٍ مِّن ذلكم لِلَّذِينَ﴾ إِبهام الخير لتفخيم شأنه والتشويق لمعرفته ﴿اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ﴾ قال أبو السعود: التعرض لعنوان الربوبية مع الإِضافة إلى ضمير المتقين لإِظهار مزيد اللطف بهم ﴿والقناطير المقنطرة﴾ بينهما من المحسنات البديعية ما يسمى بالجناس الناقص.
فَائِدَة: الأولى: من هو المزيّن للشهوات؟ قيل: هو الشيطان ويدل عليه قوله تعالى ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ﴾ [النمل: ٢٤] وتزيين الشيطان: وسوسته وتحسينه الميل إِليها وقيل: المزيّن هو الله ويدل عليه ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الكهف: ٧] وتزيين الله للابتلاء ليظهر عبد الشهوة من عبد المولى وهو ظاهر قول عمر: «اللهم لا صبر لنا ما زينتَ لنا إِلا بك»
الثانية: تخصيص الأسحار بالاستغفار لأن الدعاء فيها أقرب إِلى الإجابة، لأن النفس أصفى،


الصفحة التالية
Icon