المؤمنين} أي لا توالوا أعداء الله وتتركوا أولياءه فمن غير المعقول أن يجمع الإِنسان بين محبة الله وبين محبة أعدائه قال الزمخشري: نُهوا أن يوالوا الكافرين لقرابةٍ بينهم أو صداقة أو غير ذلك من الأسباب التي يُتَصادق بها ويُتَعاشر ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ﴾ أي من يوالِ الكفرة فليس من دين الله في شيء ﴿إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ أي إِلا أن تخافوا منهم محذوراً أو تخافوا أذاهم وشرهم، فأظهروا موالاتهم باللسان دون للقلب، لأنه من نوع مداراة السفهاء كما روي «إِنّا لنبش في وجوه أقوامٍ وقلوبنا تلعنهم» ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ﴾ أي يخوفّكم الله عقابه الصادر منه تعالى ﴿وإلى الله المصير﴾ أي المنقلب والمرجع فيجازي كل عاملٍ بعمله ﴿قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله﴾ أي إِن أخفيتم ما في قلوبكم من موالاة الكفار أو أظهرتموه فإِن الله مطلع عليه لا يخفى عليه خافية ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي عالم بجميع الأمور، يعلم كل ما هو حادث في السماوات والأرض ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي وهو سبحانه قادر على الانتقام ممن خالف حكمه وعصى أمره، وهو تهديد عظيم ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً﴾ أي يوم القيامة يجد كل إِنسان جزاء عمله حاضراً لا يغيب عنه، إِن خيراً فخير وإِن شراً فشر، فإِن كان عمله حسناً سرّه ذلك وأفرحه ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِن سواء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً﴾ أي وإِن كان عمله سيئاً تمنّى أن لا يرى عمله، وأحبَّ أن يكون بينه وبين عمله القبيح غايةً في نهاية البعد أي مكاناً بعيداً كما بين المشرق والمغرب ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ﴾ أي يخوفكم عقابه ﴿والله رَؤُوفٌ بالعباد﴾ أي رحيم بخلقه يحبّ لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله﴾ أي قل لهم يا محمد إِن كنتم حقاً تحبون الله فاتبعوني لأني رسوله يحبكم الله ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي باتباعكم الرسول وطاعتكم لأمره يحبكم الله ويغفر لكم ما سلف من الذنوب قال ابن كثير: «هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإِنه كاذب في دعواه تلك حتى يتّبع الشرع المحمدي في جميع أقواله وأفعاله» ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول﴾ أي أطيعوا أمر الله وأمر رسوله ﴿فإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أي أعرضوا عن الطاعة ﴿فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين﴾ أي لا يحب من كفر بآياته وعصى رسله بل يعاقبه ويخزيه
﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ﴾ [التحريم: ٨].
البَلاَغَة: جمعت هذه الآيات الكريمة من ضروب الفصاحة وفنون البلاغة ما يلي:
١ - الطباق في مواضع مثل «تؤتي وتنزع» و «تعز وتذل» و «الليل والنهار» و «الحي والميت» و «تخفوا وتبدوا» وفي «خير وسوء» و «محضراً وبعيداً».
٢ - والجناس الناقص في «مالك الملك» وفي «تحبون ويحببكم» وجناس الاشتقاق بين «تتقوا وتقاة» وبين «يغفر وغفور».
٣ - رد العجز على الصدر في ﴿تُولِجُ الليل فِي النهار﴾ ﴿وَتُولِجُ النهار فِي الليل﴾
٤ -