المنَاسَبَة: لّما ذكر تعالى قصة ولادة «يحيى بن زكريا» من عجوز عاقرٍ وشيخٍ قد بلغ من الكبر عتياً، وذلك بمقتضى السنن الكونية شيء خارق للعادة، أعقبها بما هو أبلغ وأروع في خرق العادات، فذكر قصة ولادة السيد المسيح عيسى من غير أب وهي شيء أعجب من الأول، والغرضُ من ذكر هذه القصة الردّ على النصارى الذين ادعوا ألوهية عيسى، فذكر ولادته من مريم البتول ليدل على بشريته، وأعقبه بذكر ما أيده به من المعجزات ليشير إِلى رسالته، وأنه أحد الرسل الكرام الذين أظهر الله على أيديهم خوارق العادات، وليس له شيء من أوصاف الربوبية.
اللغَة: ﴿أَقْلاَمَهُمْ﴾ جمع نبأ وهو الخبر الهام ﴿نُوحِيهِ﴾ الوحي: إِلقاء المعنى في النفس في خفاء ﴿أَقْلاَمَهُمْ﴾ القلم معروف وهو الذي يكتب به وقد يطلق على السهم الذي يقترع به وهو المراد هنا ﴿المسيح﴾ لقبٌ من الألقاب المشرّفة كالصدّيق والفاروق وأصله مشيحا بالعبرانية ومعناه المبارك ﴿وَجِيهاً﴾ شريفاً ذا جاهٍ وقدر، والوجاهةُ الشرف والقدر ﴿المهد﴾ فراش الطفل ﴿كَهْلاً﴾ الكهل: ما بين الشاب والشيخ والمرأة كهلة ﴿الأكمه﴾ الذي يولد أعمى ﴿الأبرص﴾ المصاب بالبرص وهو بياض يعتري الجدل وداءٌ عُضال.
التفِسير: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم إِنَّ الله اصطفاك﴾ أي اذكر وقت قول الملائكة أي جبريل يا مريم إِن الله اختارك بين سائر النساء فخصَّكِ بالكرامات ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ من الأدناس والأقذار ومما اتهمكِ به اليهود من الفاحشة ﴿واصطفاك على نِسَآءِ العالمين﴾ أي اختارك على سائر نساء العالمين لتكوني مظهر قدرة الله في إِنجاب ولد بدون أب ﴿يامريم اقنتي لِرَبِّكِ﴾ أي إِلزمي عبادته وطاعته شكراً على اطصفائه ﴿واسجدي واركعي مَعَ الراكعين﴾ أي صلي لله مع المصلين ﴿ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيكَ﴾ أي هذا الذي قصصناه عليك من قصة امرأة عمران وابنتها مريم


الصفحة التالية
Icon