إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي فيما أتيتكم به من المعجزات علامة واضحة تدل على صدقي إِن كنتم مصدّقين بآيات الله، ثم أخبرهم أنه جاء مؤيداً لرسالة موسى فقال ﴿وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة﴾ أي وجيئتكم مصدقاً لرسالة موسى، مؤيداً لما جاء به في التوراة ﴿وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ أي ولأحلّ لكم بعض ما كان محرماً عليكم في شريعة موسى قال ابن كثير: وفيه دليل على أن عيسى نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي جئتكم بعلامة شاهدة على صحة رسالتي وهي ما أيدني الله به من المعجزات وكرِّر تأكيداً ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾ أي خافوا الله وأطيعوا أمري ﴿إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه﴾ أي وأنا وأنتم سواء في العبودية له جلَّ وعلا ﴿هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي فإِن تقوى الله وعبادته، والإِقرار بوحدانيته هو الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.
البَلاَغَة: ١ - ﴿وَإِذْ قَالَتِ الملائكة﴾ أُطلق الملائكة وأريد به جبريل فهو من باب تسمية الخاص باسم العام تعظيماً له ويسمى المجاز المرسل.
٢ - ﴿اصطفاك وَطَهَّرَكِ واصطفاك﴾ تكرر لفظ اصطفاك كما تكرر لفظ «مريم» وهذا من باب الإِطناب.
٣ - ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ كنّى عن الجماع بالمسّ كما كنّى عنه بالحرث واللباس والمباشرة.
٤ - ﴿وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ﴾ بين لفظ ﴿أُحِلَّ﴾ و ﴿حُرِّمَ﴾ من المحسنات البديعية الطباقُ، كما ورد الحذف في عدة مواضع والإِطناب في عدة مواضع، وهناك نواحٍ بلاغية أخرى ضربنا عنها صفحاً خشية الإِطالة.
فَائِدَة: جاء التعبير هنا بقوله ﴿كَذَلِكَ الله يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ وفي قصة يحيى ﴿كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ﴾ [آل عمران: ٤٠] والسرُّ في ذلك هو أن خلق عيسى من غير أب إِيجاد واختراع من غير سببٍ عادي فناسبه ذكر الخلق، وهناك الزوجة والزوج موجودان ولكن وجود الشيخوخة والعقم مانع في العادة من وجود الولد فناسبه ذكر الفعل والله أعلم.
تنبيه: قال بعض العلماء: الحكمة في أنَّ الله لم يذكر في القرآن امرأة باسمها إِلا «مريم» هي الإِشارة من طرفٍ خفي إِلى ردّ ما قاله النصارى من أنها زوجته فإِن العظيم يأنف من ذكر اسم زوجته بين الناس ولينسب إِليها عيسى باعتبار عدم وجود أبٍ ولهذا قال في الآية ﴿اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ﴾.


الصفحة التالية
Icon