المنَاسَبَة: لما ذكر تَعالى حال الكفار ومآلهم في الآخرة، وبيّن أن الكافر لو أراد أن يفتدى نفسه بملء الأرض ذهباً ما نفعه ذلك، ذكر عنا - استطراداً - ما ينفع المؤمن لنيل رضى الله والفوز بالجنة، ثم عاد الكلام لرفع الشبهات التي أوردها أهل الكتاب حول النبوة والرسالة وصحة دين الإِسلام، ثم جاء بعده التحذير من مكائدهم ودسائسهم التي يدبرونها للإِسلام والمسلمين لتفرقة الصف وتشتيت الشمل.
اللغَة: ﴿البر﴾ كلمة جامعة لوجوه الخير والمراد بها هنا الجنة ﴿حِلاًّ﴾ حلالاً وهو مصدر نعت به ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ﴿اإِسْرَائِيلَ﴾ هو يعقوب عليه السلام ﴿بَكَّةَ﴾ اسم لمكة فتسمى «بكة» و «مكة» سميت بذلك لأنها تبك أي تدق أعناق الجبابرة فلم يقصدها جبار بسوء إِلا قصمه الله ﴿مُبَارَكاً﴾ البركة: الزيادة وكثرة الخير ﴿مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ محل قيام إبراهيم وهو الحجر الذي قام عليه لما ارتفع بناء البيت ﴿عِوَجاً﴾ العِوَج: الميل قال أبو عبيدة: في الدين والكلام والعمل، وبالفتح عَوَج في الحائط والجذع ﴿يَعْتَصِم﴾ يتمسك ويلتجئ وأصله المنع قال القرطبي: ولك متمسك بشيء معتصمٌ وكل مانعٍ شيئاً فهو عاصم ﴿قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله﴾ [هود: ٤٣] ﴿شَفَا﴾ الشَّفا: حرف كل شيء وحده ومثله الشفير: وشفا الحفرة: حرفها قال تعالى ﴿على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾ [التوبة: ١٠٩].
سَبَبُ النّزول: يروى أنّ «شاس بن قيس» اليهودي مرَّ على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من مجلس لهم يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال: ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، ثم أمر شاباً من اليهود أن يجلس إليهم ويذكّرهم يوم «بُعاث» وينشدهم بعض ما قيل فيه من الأشعار - وكان يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس - ففعل فتنازع القوم عند ذلك وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا: السلاحَ السلاحَ، فبلغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فخرج إليهم فيمن معه من الهاجرين والأنصار فقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإِسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألّف بينكم؟» فعرف القوم أنها كانت نزعة من الشيطان وكيداً من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سامعين مطيعين فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿ياأيها الذين آمنوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ الآية.
التفِسير: ﴿لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ أي لن تكونوا من الأبرار ولن تدركوا الجنة حتى تنفقوا من أفضل أموالكم ﴿وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ﴾ أى وما تبذلوا من شيء من سبيل الله فهو محفوظ لكم تجزون عنه خير الجزاء ﴿كُلُّ الطعام كَانَ حِلاًّ لبني إِسْرَائِيلَ﴾ أي كل الأطعمة كانت حلالاً لبني إِسرائيل ﴿إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ﴾ أي إلا ما حرّمه يعقوب على


الصفحة التالية
Icon