فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ} أي تذكروا عظمة الله ووعيده لمن عصاه فأقلعوا عن الذنب وتابوا وأنابوا ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله﴾ استفهام بمعنى النفي أي لا يغفر الذنوب إِلا الله وهي جملة اعتراضية لتطييب نفوس العباد وتنشيطهم للتوبة ولبيان أن الذنوب - وإِن جلَّت - فإِن عفوه تعالى أجل ورحمته أوسع ﴿وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لم يقيموا على قبيح فعلهم وهم عالمون بقبحه بل يقلعون ويتوبون ﴿أولئك جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أي الموصوفون بتلك الصفات الحميدة جزاؤهم وثوابهم العفو عما سلف من الذنوب ﴿وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي ولهم جنات تجري خلال أشجارها الأنهار ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي ماكثين فيها أبداً ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين﴾ أي نعمت الجنة جزاءً لمن أطاع الله، ثم ذكر تعالى تتمة تفصيل غزوة أُحد بعد تمهيد مبادئ الرشد والصلاح فقال ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ أي قد مضت سنة الله في الأمم الماضية بالهلاك والاستئصال بسبب مخالفتهم الأنبياء ﴿فَسِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ أي تعرفوا أخبار المكذبين، وما نزل بهم لتتعظوا بما ترون من آثار هلاكهم ﴿هذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾ أي هذا القرآن فيه بيانٌ شاف للناس عامة ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أي وهداية لطريق الرشاد وموعظة وذكرى للمتقين خاصة، وإِنما خصّ المتقين بالذكر لأنهم هم المنتفعون به دون سائر الناس، ثم أخذ يسليهم عمّا أصابهم من الهزيمة في وقعة أُحد فقال ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا﴾ أي لا تضعفوا عن الجهاد ولا تحزنوا ما أصابكم من قتلٍ أو هزيمة ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ أي وأنتم الغالبون لهم المتفوقون عليهم فإِن كانوا قد أصابوكم يوم أُحد فقد أبليتم فيهم يوم بدر ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ أي إِن كنتم حقاً مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ أي إِن أصابكم قتلٌ أو جراح فقد أصاب المشركين مثل ما أصابكم ﴿وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس﴾ أي الأيام دولن، يوم لك ويوم عليك، ويوم تُساء ويوم تُسر ﴿وَلِيَعْلَمَ الله الذين آمَنُواْ﴾ أي فعل ذلك ليمتحنكم فيرى من يصبر عند الشدائد ويميز بين المؤمنين والمنافقين ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ﴾ أي وليكرم بعضكم بنعمة الشهادة في سبيل الله ﴿والله لاَ يُحِبُّ الظالمين﴾ أي لا يحب المعتدين ومنهم المنافقون الذين انخذلوا عن نبيه يوم أُحد ﴿وَلِيُمَحِّصَ الله الذين آمَنُواْ﴾ أي ينفيهم ويطهرهم من الذنوب ويميزهم عن المنافقين ﴿وَيَمْحَقَ الكافرين﴾ أي يهلكهم شيئاً فشيئاً ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة﴾ استفهام على سبيل الإِنكار أي هل تظنون يا معشر المؤمنين أن تنالوا الجنة بدون ابتلاء وتمحيص؟ ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين﴾ أي ولما تجاهدوا في سبيله فيعلم الله جهادكم وصبركم على الشدائد؟ قال الطبري المعنى: أظننتم يا معشر أصحاب محمد أن تنالوا كرامة ربكم ولّما يتبين لعبادي المؤمنين المجاهدون منكم في سبيل الله والصابرون عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من ألم ومكروه!! ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت﴾ أي كنتم تتمنون لقاء الأعداء لتحظوا بالشهادة ﴿مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ﴾ أي من قبل