سَبَبُ النّزول: لما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أُحد، قال ناس من أصحابه:
من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ | إلى قوله مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ يعني الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أُحد. |
التفِسير:
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمنوا إِن تُطِيعُواْ الذين كَفَرُواْ﴾ أي إِن أطعتم الكفار والمنافقين فيما يأمرونكم به
﴿يَرُدُّوكُمْ على أَعْقَابِكُمْ﴾ أي يردوكم إِلى الكفر
﴿فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ﴾ أي ترجعوا إِلى الخسران، ولا خسران أعظم من أن تتبدلوا الكفر بالإِيمان قال ابن عباس: هم المنافقون قالوا للمؤمنين لما رجعوا من أُحد لو كان نبياً ما أصابه الذي أصابه فارجعوا إِلى إِِخوانكم
﴿بَلِ الله مَوْلاَكُمْ﴾ بل للإِضراب أي ليسوا أنصاراً لكم حتى تطيعوهم بل الله ناصركم فأطيعوا أمره
﴿وَهُوَ خَيْرُ الناصرين﴾ أي هو سبحانه خير ناصر وخير معين فلا تستنصروا بغيره، ثم بشر تعالى المؤمنين بإِلقاء الرعب في قلوب أعدائهم فقال
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب﴾ أي سنقذف في قلوبهم الخوف والفزع
﴿بِمَآ أَشْرَكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾ أي بسبب إِشراكهم بالله وعبادتهم معه آلهة أخرى من غير حجة ولا برهان
﴿وَمَأْوَاهُمُ النار﴾ أي مستقرهم النار
﴿وَبِئْسَ مثوى الظالمين﴾ أي بئس مقام الظالمين نار جهنم، فهم في الدنيا مرعوبون وفي الآخرة معذبون وفي الحديث
«نصرت بالرعب مسيرة شهر» ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ﴾ أي وفي الله لكم ما وعدكم به من النصر على عدوكم
﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ أي تقتلونهم قتلاً ذريعاً وتحصدونهم بسيوفكم بإِرادة الله وحكمه
﴿حتى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر﴾ أي حتى إِذا اجبنتم وضعفتم واختلفتم في أمر المقام في الجبل
﴿وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ﴾ أي عصيتم أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد أن كان النصر حليفكم، روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وضع خمسين من الرماة فوق الجبل وأمرهم أن يدفعوا عن المسلمين وقال لهم: لا تبرحوا أماكنكم حتى ولو رأيتمونا تخطفتنا الطير، فلما التقى الجيشان لم تقو خيل المشركين على الثبات بسبب السهام التي أخذتهم في وجوههم من الرماة فانهزم المشركون، فلما رأى الرماة ذلك قالوا: الغنيمة الغنيمة ونزلوا لجمع الأسلاب، وثبت رئيسهم ومعه عشرة فجاءهم المشركون من خلف الجبل فقتلوا البقية من الرماة ونزلوا على المسلمين بسيوفهم من خلف ظهورهم فانقلب النصر إِلى هزيمة للمسلمين فذلك قوله تعالى
﴿مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ﴾ أي من بعد النصر
﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ أي الغنيمة وهم الذين تركوا الجبل
﴿وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخرة﴾ أي ثواب الله وهم العشرة الذين ثبتوا في مركزهم مع أميرهم
«عبد الله بن جبير» ثم استشهدوا
﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ أي ردكم بالهزيمة عن الكفار ليمتحن إِيمانكم
﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ أي صفح عنكم مع العصيان، وفيه إِعلان بأن الذنب كان يستحق أكثر مما نزل بهم لولا عفو الله عنهم ولهذا قال
﴿والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين﴾ أي ذو منٍّ ونعمةٍ على المؤمنين في جميع الأوقات والأحوال
﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ﴾ أي اذكروا يا معشر المؤمنين حين وليتم الأدبار تبعدون في الفرار ولا تلتفتون إِلى ما وراءكم ولا يقف واحد منكم لآخر
﴿والرسول يَدْعُوكُمْ في أُخْرَاكُمْ﴾ أي ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نياديكم من وراءكم يقول
«إِليَّ