الفعل لأنَّ المراد أنه لا يتأتّى ولا يصحُّ أن يُتصوّر فضلاً عن أن يحصل ويقع ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة﴾ أي ومن يُخن من غنائم المسلمين شيئاً يأت حاملاً له على عنقه يوم القيامة فضيحةً له على رءوس الأشهاد ﴿ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ أي تعطى جزاء ما عملت وافياً غير منقوص ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ أي تنال جزاءها العادل دون زيادة أو نقص، فلا يزاد في عقاب العاصي، ولا ينقص من ثواب المطيع ﴿أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ الله﴾ أي لا يستوي من أطاع الله وطلب رضوانه، ومن عصى الله فاستحق سخطه وباء بالخسران ﴿وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير﴾ أي مصيره ومرجعه جهنم وبئست النار مستقراً له ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله﴾ أي متفاوتون في المنازل قال الطبري: هم مختلفوا المنازل عند الله، فلمن اتبع رضوان الله الكرامةُ والثواب الجزيل، ولمن باء بسخطٍ من الله المهانةُ والعقاب الأليم ﴿والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي لا تخفى عليه أعمال العباد وسيجازيهم عليها، ثمَّ ذكّر تعالى المؤمنين بالمنّة العظمى عليهم ببعثة خاتم المرسلين فقال ﴿لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي والله لقد أنعم الله على المؤمنين حين أرسل إِليهم رسولاً عربياً من جنسهم، عرفوا أمره وخبروا شأنه، وخصَّ تعالى المؤمنين بالذكر وإِن كان رحمة للعالمين، لأنهم هم المنتفعون ببعثته ﴿يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ أي يقرأ عليهم الوحي المنزل ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ أي يطهرهم من الذنوب ودنس الأعمال ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة﴾ أي يعلمهم القرآن المجيد والسنة المطهرة ﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ أي وإِنه الحال والشأن كانوا قبل بعثته في ضلال ظاهر، فنقلوا من الظلمات إِلى النور، وصاروا أفضل الأمم ﴿أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ﴾ أي أو حين أصابتكم أيها المؤمنون كارثةٌ يوم أحد فقُتل منكم سبعون ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا﴾ أي في بدر حيث قتلتم سبعين وأسرتم سبعين ﴿قُلْتُمْ أنى هذا﴾ أي من أين هذا البلاء، ومن أين جاءتنا الهزيمة وقد وعدنا بالنصر، وموضع التقريع قولهم ﴿أنى هذا﴾ مع أنهم سبب النكسة والهزيمة ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ أي قل لهم يا محمد: إِن سبب المصيبة منكم أنتم بمعصيتكم أمر الرسول وحرصكم على الغنيمة ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا رادّ لِقضائه ﴿وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان فَبِإِذْنِ الله﴾ أي وما أصابكم يوم أُحد، يوم التقى جمع المسلمين وجمع المشركين فبقضاء الله وقدره وبإِرادته الأزلية وتقديره الحكيم، ليتميّز المؤمنون عن المنافقين ﴿وَلِيَعْلَمَ المؤمنين﴾ أي ليعلم أهل الإِيمان الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا ﴿وَلِيَعْلَمَ الذين نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادفعوا﴾ أي وليعلم أهل النفاق كعبد الله بن أُبي ابن سلول وأصحابه الذين اتخذلوا يوم أُحد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ورجعوا وكانوا نحواً من ثلاثمائة رجل فقال لهم المؤمنون: تعالوا قاتلوا المشركين معنا أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا ﴿قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ﴾ أي قال المنافقون لو نعلم أنك تلقون حرباً لقاتلنا معكم، ولكن لا نظن أن يكون قتال ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ﴾ أي بإِظهارهم هذا القول صاروا أقرب إِلى الكفر منهم إِلى الإِيمان ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي يظهرون خلاف ما يضمرون {والله أَعْلَمُ بِمَا