سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لّما أصيب إِخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طيرٍ خضر، ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إِلى قناديل من ذهب معلقةً في ظلّ العرش، فلما وجدوا طيب مأْكلهم ومَشْربهم ومَقِيلهم قالوا: من يبلّغ إِخواننا عنا أنّا أحياءٌ في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكُلوا عند الحرب فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ الآية.
ب - عن جابر بن عبد الله قال: «لقيني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال يا جابر: ما لي أراك منكساً مُهتماً؟ قلت يا رسول الله: استُشْهد أبي وترك عيالاً وعليه دين فقال: ألا أبشرك بما لقي الله عَزَّ وَجَلَّ به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: إِن الله أحيا أباك وكلّمه كفاحاً - وما كلّم أحداً قط إِلا من وراء حجاب - فقال له: يا عبد الله تمنَّ أعطك قال يا رب: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأْقتل فيك ثانية فقال الرب تبارك وتعالى: إِنه قد سبق مني أنهم إِليها لا يرجعون، قال يا رب: فأبلغ من ورائي فأنزل الله ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً﴾ »
التفِسير: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً﴾ أي لا تظنَّن الذين استشهدوا في سبيل الله لإِعلاء دينه أمواتاً لا يُحسّون ولا يتنعمون ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ أي بل هم أحياء متنعمون في جنان الخلد يرزقون من نعيمها غدواً وعشياً قال الواحدي: الأصح في حياة الشهداء ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أن أرواحهم في أجواف طيور خضر وأنهم يُرزقون ويأكلون ويتنعمون ﴿فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ أي هم منعّمون في الجنة فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ﴾ أي يستبشرون بإِخوانهم المجاهدون الذين لم يموتوا في الجهاد بما سيكونون عليه بعد الموت إِن استشهدوا فهم لذلك فرحون مستبشرون ﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي بأنْ لا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون على مفارقة الدنيا لأنهم في جنات النعيم ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين﴾ أكّد استبشارهم ليذكر ما تعلّق به من النعمة والفضل والمعنى: يفرحون بما حباهم الله تعالى من عظيم كرامته وبما أسبغ عليهم من الفضل وجزيل الثواب، فالنعمة ما استحقوه بطاعتهم، والفضلُ ما زادهم من المضاعفة في الأجر ﴿الذين استجابوا للَّهِ والرسول مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ القرح﴾ أي الذين أطاعوا الله وأطاعوا الرسول من بعد ما نالهم الجراح يوم أُحد قال ابن كثير: وهذا كان يوم «حمراء الأسد» وذلك أن المشركين لما أصابوا من المسلمين كرّوا راجعين إِلى بلادهم ثم ندموا لم لا تّمموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة، فلما بلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ندب المسلمين إِلى الذهاب وراءهم ليرعبهم ويريهم أنّ بهم قوة وجَلَداً، ولم يأذن لأحدٍ سوى من حضر أحداً فانتدب المسلمون