على قلوب عباده فتعرفوا المؤمن من المنافق والكافر، ولكنه يميز بينهم بالمحن والإِبتلاء كما ميّز بينهم يوم أُحد بالبأساء وجهاد عدوه ﴿وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ﴾ أي يختار من رسله من يشاء فيطلعهم على غيبه كما أطلع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على المنافقين ﴿فَآمِنُواْ بالله وَرُسُلِهِ﴾ أي آمنوا إِيماناً صحيحاً بأن الله وحده المطلع على الغيب وأن ما يخبر به الرسول من أمور الغيب إِنما هو بوحي من الله ﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي وإِن تصدّقوا ربكم بطاعته فلكم ثواب عظيم ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ﴾ لما بالغ تعالى في التحريض على بذل النفس في الجهاد شرع هنا في التحريض على بذل المال في سبيل الله، وذكر الوعيد الشديد لمن يبخل بماله والمعنى لا يحسبنَّ البخيلُ أن جمعه المال وبخله بإِنفاقه ينفعه، بل هو مضرّة عليه في دينه ودنياه ﴿بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ﴾ أي ليس كما يظنون بل ذلك البخلُ شرٌّ لهم ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة﴾ أي سيجعل الله ما بخلوا به طوقاً في أعناقهم يعذبون به يوم القيامة كما جاء في صحيح البخاري
«من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع - أي ثعباناً عظيماً - له زبيبتان فيأخذ بلهزمتيه - يعني شدقية - ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ﴾ الآية ﴿وَللَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض﴾ » أي جميع ما في الكون ملك له يعود إِليه بعد فناء خلقه ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي مطلع على أعمالكم.
البَلاغَة: قال في البحر: تضمنت هذه الآيات فنوناً من البلاغة والبديع: الإِطنابُ في ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ وفي ﴿لَن يَضُرُّواْ﴾ وفي آسم الجلالة في مواضع، والطباق في ﴿أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ وفي ﴿الكفر بالإيمان﴾ والاستعارة في ﴿اشتروا الكفر﴾ وفي ﴿يُسَارِعُونَ فِي الكفر﴾ وفي ﴿الخبيث والطيب﴾ يراد به المؤمن والمنافق والحذف في مواضع.
فَائِدَة: قوله تعالى ﴿حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل﴾ هي الكلمة التي قالها إِبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار قال السيوطي في الإِكليل: يستحب قول هذه الكلمة عند الغمّ والأمور العظيمة.