القاطعة والمعجزات الواضحة ﴿والزبر والكتاب المنير﴾ أي بالكتب السماوية المملوءة بالحِكَم والمواعظ، والكتاب الواضح الجلي كالتوراة والإِنجيل ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت﴾ أي مصير الخلائق إِلى الفناء وكل نفسٍ ميّتة لا محالة كقوله
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن: ٢٦] ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القيامة﴾ أي تُعطون جزاء أعمالكم وافياً يوم القيامة ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ﴾ أي فمن نُحي عن النار وأُبْعِد عنها، وأُدخل الجنة فقد فاز بالسعادة السرمدية والنعيم المخلّد ﴿وَما الحياة الدنيا إِلاَّ مَتَاعُ الغرور﴾ أي ليست الدنيا إِلا دار الفناء يستمتع بها الأحمق المغرور قال ابن كثير: الآية فيها تصغير لشأن الدنيا وتحقير لأمرها وأنها فانية زائلة ﴿لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ أي والله لتمتحننَّ وتختبرنَّ في أموالكم بالفقر والمصائب، وفي أنفسكم بالشدائد والأمراض ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً﴾ أي ولينالنكم من اليهود والنصارى والمشركين - أعدائكم - الأذى الكثير، وهذا إِخبارٌ منه جلّ وعلا للمؤمنين بأنه سينالهم بلايا وأكدار من المشركين والفجّار، وأمرٌ لهم بالصبر عند وقوع ذلك لأن الجنة حفَّت بالمكاره ولهذا قال ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ﴾ أي وإِن تصبروا على المكاره وتتقوا الله في الأقوال والأعمال ﴿فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور﴾ أي الصبر والتقوى من الأمور التي ينبغي أن تعزموا وتحزموا عليها لأنها ممّا أمر الله بها ﴿وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ أي اذكر يا محمد حين أخذ الله العهد المؤكد على اليهود في التوراة ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ أي لتظهرنَّ ما في الكتاب من أحكام الله ولا تخفونها، قال ابن عباس: هي لليهود أُخذ عليهم العهد والميثاق في أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فكتموه ونبذوه ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ واشتروا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ أي طرحوا ذلك العهد وراء ظهورهم واستبدلوا به شيئاً حقيراً من حُطام الدنيا ﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ أي بئس هذا الشراء وبئست تلك الصفقة الخاسرة ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ﴾ أي لا تظننَّ يا محمد الذين يفرحون بما أتوا من إِخفاء أمرك عن الناس ﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ أي ويحبون أن يحمدهم الناس على تمسكهم بالحق وهم على ضلال ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذاب﴾ أي فلا تظنتَّهم بمنجاة من عذاب الله ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي عذاب مؤلم قال ابن عباس: نزلت في أهل الكتاب سألهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن شيء فكتموه إيّاه وأخبره بغيره وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إِياه ما سألهم عنه ﴿وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض﴾ أي له سبحانه جميع ما في السماوات والأرض فكيف يكون من له ما في السماوات والأرض فقيراً؟ والآية ردٌّ على الذين قالوا إِن الله فقير ونحن أغنياء ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي هو تعالى قادر على عقابهم.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يأتي: ١ - ﴿إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ﴾ أكد اليهود الجملة ب ﴿إِنَّ الله فَقِيرٌ﴾ على سبيل المبالغة، فحيث نسبوا إلى أنفسهم الغنى لم يؤكدوا بل أخرجوا الجملة مخرج ما لا يحتاج إلى تأكيد كأن الغنى وصف لهم لا يمكن فيه نزاع فيحتاج إِلى تأكيد وهذا دليل على تمردهم في الكفر والطغيان.