المنَاسَبَة: بدأ تعالى هذه السورة الكريمة بذكر أدلة التوحيد والألوهية والنبوة، وختمها بذكر دلائل الوحدانية والقدرة ودلائل الخلق والإِيجاد، ليستدل منها الإِنسان على البعث والنشور فكان ختام مسك، ولما كان المقصود من هذا الكتاب العظيم جذب القلوب والأرواح عن الاشتغال بالخلق إِلى معرفة الإِله الحق، جاءت الآيات الكريمة تنير القلوب بأدلة التوحيد والإِلهية والكبرياء والجلال، فلفتت الأنظار إِلى التفكير والتدبر في ملكوت السماوات والأرض، ليخلص الإِنسان إِلى الاعتراف بوحدانية الله وباهر قدرته وهو يتأمل في كتاب الله المنظور «الكون الفسيح» بعد أن تأمل في كتاب الله المسطور «القرآن العظيم» وفي الكتاب المسطور إِشارات عديدة لآيات الكتاب المنظور وهو يدعو إِلى معرفة الحقائق باستخدام الحواس ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف: ١٠٥].
اللغَة: ﴿الألباب﴾ العقول ﴿بَاطِلاً﴾ عبثاً بدون حكمة ﴿سُبْحَانَكَ﴾ تنزيهٌ لله عن السوء ﴿أَخْزَيْتَهُ﴾ أذللته وأهنته ﴿وَكَفِّرْ عَنَّا﴾ استر وامح ﴿الأبرار﴾ جمع بر أو ارّ وهم المستمسكون بالشريعة ﴿فاستجاب﴾ بمعنى أجاب ﴿نُزُلاً﴾ النُّزُل: ما يهيأ للنزيل وهو الضيف من أنواع الإِكرام ﴿رَابِطُواْ﴾ المرابطة: ترصد العدو في الثغور.
التفسِير: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض﴾ أي إِن في خلق السماوات والأرض على ما بهما من إِحكام وإٍبداع ﴿واختلاف اليل والنهار﴾ أي وتعاقب الليل والنهار على الدوام ﴿لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب﴾ أي علامات واضحة على الصانع وباهر حكمته، ولا يظهر ذلك إِلا لذوي العقول الذين ينظرون إِلى الكون بطريق التفكر والاستدلال لا كما تنظر البهائم، ثم وصف تعالى أولي الألباب فقال ﴿الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ﴾ أي يذكرون الله بألسنتهم وقلوبهم في جميع الأحوال في حال القيام والقعود والاضطجاع فلا يغفلون عنه تعالى في عامة أوقاتهم، لاطمئنان