تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا} أي لكن المتقون لله لهم النعيم المقيم في جنات النعيم مخلدين فيها أبداً ﴿نُزُلاً مِّنْ عِندِ الله﴾ أي ضيافة وكرامة من عند الله ﴿وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ﴾ أي وما عند الله من الثواب والكرامة للأخيار الأبرار، خير مما يتقلب فيه الأشرار الفجار من المتاع القليل الزائل، ثم أخبر تعالى عن إِيمان بعض أهل الكتاب فقال ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ أي ومن اليهود والنصارى فريق يؤمنون بالله حق الإِيمان، ويؤمنون بما أنزل إليكم وهو القرآن وبما أنزل إِليهم وهو التوراة والإِنجيل كعبد الله بن سلام وأصحابه، والنجاشي وأتباعه ﴿خَاشِعِينَ للَّهِ﴾ أي خاضعين متذللين لله ﴿لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَناً قَلِيلاً﴾ أي لا يحرّفون نعت محمد ولا أحكام الشريعة الموجودة في كتبهم لعرضٍ من الدنيا خسيس كما فعل الأحبار والرهبان ﴿أولائك لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أي ثواب إِيمانهم يعطونه مضاعفاً كما قال ﴿أولائك لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ أي سريع حسابُه لنفوذ علمه بجميع المعلومات، يعلم ما لكل واحدٍ من الثواب والعقاب، قال ابن عباس والحسن: نزلت في النجاشي وذلك أنه لما مات نعاه جبريل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي، فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أن نصلي على علج من علوج الحبشة فأنزل الله ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اصبروا﴾ أي اصبروا على مشاقّ الطاعات وما يصيبكم من الشدائد ﴿وَصَابِرُواْ﴾ أي غالبوا أعداء الله بالصبر على أهوال القتال وشدائد الحروب ﴿وَرَابِطُواْ﴾ أي لازموا ثغوركم مستعدين للكفاح والغزو ﴿واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي خافوا الله فلا تخالفوا أمره لتفوزوا بسعادة الدارين.
البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات من ضروب البيان والبديع ما يلي:
١ - الإِطناب في قوله ﴿رَبَّنَآ﴾ حيث كرر خمس مرات والغرض منه المبالغة في التضرع.
٢ - الطباق في قوله ﴿السماوات والأرض﴾ و ﴿اليل والنهار﴾ و ﴿قِيَاماً وَقُعُوداً﴾ و ﴿ذَكَرٍ أَوْ أنثى﴾.
٣ - الإِيجاز بالحذف ﴿مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ﴾ أي على ألسنة رسلك وكذلك في قوله ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأرض﴾ أي قائلين ربنا.
٤ - الجناس المغاير في قوله ﴿آمِنُواْ | فَآمَنَّا﴾ وفي ﴿عَمَلَ عَامِلٍ﴾ وفي ﴿مُنَادِياً يُنَادِي﴾. |
٦ - الاستعارة في قوله ﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ﴾ استعير التقلب للضرب في الأرض لطلب المكاسب والله أعلم.
الفوَائِدَ: الأولى: إِنما خصص التفكر بالخلق للنهي عن التفكر في الخالق ففي الحديث الشريف «