مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون} أي للأولاد والأقرباء حظ من تركه الميت كما للبنات والنساء حظ أيضاً الجميع فيه سواء يستوون في أصل الوارثة وإِن تفاوتوا في قدرها، وسببها أن بعض العرب كانوا لا يورثّون النساء والأطفال وكانوا يقولون: إنما يرث من يحارب ويذبُّ عن الحوزة فأبطل الله حكم الجاهلية ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ﴾ أي سواء كانت التركة قليلة أو كثيرة ﴿نَصِيباً مَّفْرُوضاً﴾ أي نصيباً مقطوعاً فرضه الله بشرعه العادل وكتابه المبين ﴿وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم مِّنْهُ﴾ أي إِذا حضر قسمة التركة الفقراء من قرابة الميت واليتامى والمساكين من غير الوارثين فأعطوهم شيئاً من هذه التركة تطييباً لخاطرهم ﴿وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ أي قولاً جميلاً بأن تعتذروا إِليهم أنه للصغار وأنكم لا تملكونه ﴿وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ﴾ نزلت في الأوصياء أي تذكر أيها الوصي ذريتك الضعاف من بعدك وكيف يكون حالهم وعامل اليتامى الذين في حَجْرك بمثل ما تريد أن يُعامل به أبناؤك بعد فقدك ﴿فَلْيَتَّقُواّ الله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ أي فليتقوا الله في أمر اليتامى وليقولوا لهم ما يقولونه لأولادهم من عبارات العطف والحنان ﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً﴾ أي يأكلونها بدون حق ﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ أي ما يأكلون في الحقيقة إِلا ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ أي سيدخلون ناراً هائلة مستعرة وهي نار السعير.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات من ضروب الفصاحة والبيان ما يلي:
١ - الطباق في ﴿غَنِيّاً فَقِيراً﴾ وفي ﴿قَلَّ كَثُرَ﴾ وفي ﴿رِجَالاً وَنِسَآءً﴾ وفي ﴿الخبيث الطيب﴾.
٢ - والجناس المغاير في ﴿دَفَعْتُمْ فادفعوا﴾ وفي ﴿وَقُولُواْ قَوْلاً﴾.
٣ - والإِطناب في ﴿فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.... فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ وفي ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان.... وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون﴾.
٤ - والمجاز المرسل في ﴿وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ﴾ أي الذين كانوا يتامى فهو باعتبار ما كان وكذلك ﴿يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ مجاز مرسل وهو باعتبار ما يئول إِليه كقوله ﴿إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً﴾ [يوسف: ٣٦] أي عنباً يئول إٍلى الخمر.
٥ - المقابلة اللطيفة بين ﴿وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ.. وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمعروف﴾.
٦ - والإِيجاز في مواضع مثل ﴿رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ أي ونساء كثيرات... الخ.
الفوَائِد: الأولى: في الافتتاح بتذكير الناس أنهم خلقوا من نفسٍ واحدة تمهيد جميل وبراعة مطلع لما في السورة من أحكام الأنكحة والمواريث والحقوق الزوجية وأحكام المصاهرة والرضاع وغيرها من الأحكام الشرعية.
الثانية: الأغلب أنه إِذا كان الخطاب ب ﴿ياأيها الناس﴾ وكان للكافرين فقط أو للكافرين وغيرهم أُعقب بدلائل الوحدانية والربوبية مثل ﴿يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١] و {ياأيها الناس إِنَّ