بذكر ميراث الأولاد ذكر ميراث الأبوين لأن الفرع مقدم في الإِرث على الأصل فقال تعالى ﴿وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس﴾ أي للأب السدس وللأم السدس ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾ أي من تركة الميت ﴿إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ أي إِن وجد للميت ابن أو بنت لأن الولد يطلق على الذكر والأنثى ﴿فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ﴾ أي فإِن لم يوجد للميت أولاد وكان الوارث أبواه فقط أو معهما أحد الزوجين ﴿فَلأُمِّهِ الثلث﴾ أي فللأم ثلث المال أو ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين والباقي للأب ﴿فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السدس﴾ أي فإِن وجد مع الأبوين إِخوة للميت «اثنان فأكثر» فالأم ترث حينئذٍ السدس فقط والباقي للأب، والحكمة أن الأب ملكف بالنفقة عليهم دون أمهم فكانت حاجته إِلى المال أكثر ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ﴾ أي إِن حق الورثة يكون بعد تنفيذ وصية الميت وقضاء ديونه فلا تقسم التركة إِلا بعد ذلك ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ الله إِنَّ الله﴾ أي إِنه تعالى تولّى قسمة المواريث بنفسه وفرض الفرائض على ما علمه من الحكمة، فقسم حيث توجد المصلحة وتتوفر المنفعة ولو ترك الأمر إِلى البشر لم يعلموا أيهم أنفع لهم فيضعون الأموال على غير حكمة ولهذا أتبعه بقوله ﴿كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي إِنه تعالى عليم بما يصلح لخلقه حكيم فيما شرع وفرض.
. ثم ذكر تعالى ميراث الزوج والزوجة فقال ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾ أي ولكم أيها الرجال نصف ما ترك أزواجكم من المال إِن لم يكن لزوجاتكم أولاد منكم أو من غيركم ﴿فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الربع مِمَّا تَرَكْنَ﴾ أي من ميراثهن، وألحق بالولد في ذلك ولد الإِبن بالإِجماع ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ﴾ أي من بعد الوصية وقضاء الدين ﴿وَلَهُنَّ الربع مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ﴾ أي ولزوجاتكم واحدة فأكثر الربع مما تركتم من الميراث إِِن لم يكن لكم ولد منهن أو من غيرهن ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثمن مِمَّا تَرَكْتُم﴾ أي فإِن كان لكم ولد منهن أو من غيرهن فلزوجاتكم الثمن مما تركتم من المال ﴿مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ﴾ وفي تكرير ذكر الوصية والدين من الاعتناء بشأنهما ما لا يخفي. ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً﴾ أي وإن كان الميت يورث كلالة أي لا والد له ولا ولد وورثة أقاربه البعيدون لعدم وجود الأصل أو الفرع ﴿أَو امرأة﴾ عطف على رجل والمعنى أو امرأةٌ تورث كلالة ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾ أي وللمورّث أخ أو أخت من أم ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس﴾ أي فللأخ من الأم السدس وللأخت السدس أيضاً ﴿فَإِن كانوا أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثلث﴾ أي فإِن كان الإِخوة والأخوات من الأم أكثر من واحد فإِنهم يقتسمون الثلث بالسوية ذكورهم وإِناثهم في الميراث سواء، قال في البحر: وأجمعوا على أن المراد في هذه الآية الإِخوة للأم ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ﴾ أي بقصد أن تكون الوصية للمصلحة لا بقصد الإِضرار بالورثة أي في حدود الوصية بالثلث لقوله عليه السلام «الثلث والثلث كثير» ﴿وَصِيَّةً مِّنَ الله﴾ أي أوصاكم الله بذلك وصية ﴿والله عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ أي عالم بما شرع حليم لا يعاجل العقوبة لمن خالف أمره ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله﴾ أي تلك الأحكام المذكور شرائع الله التي حدّها لعباده ليعملوا بها ولا يعتدوها ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي من يطع أمر الله فيما حكم وأمر رسوله فيما بيّن، يدخله جنات النعيم التي تجري من تحت أشجارها وأبنيتها الأنهار ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي ماكثين فيها أبداً ﴿وذلك الفوز العظيم﴾ أي الفلاح