والمجاهدون فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} أي لا يتساوى من قعد عن الجهاد من المؤمنين مع من جاهد بماله ونفسه في سبيل الله غير أهل الأعذار كالأعمى والأعرج والمريض قال ابن عباس: هم القاعدون عن بدر والخارجون إِليها، ولما نزلت الآية قام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله: هل لي من رصخة فوالله لو أستطيع الجهاد لجاهدتُ - وكان أعمى - فأنزل الله ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضرر﴾ ﴿فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً﴾ أي فضل الله المجاهدين على القاعدين من أهل الأعذار درجة لاستوائهم في النية كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من وادٍ إِلا وهم معكم فيه قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم حبسهم العذر» ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى﴾ أي وكلاً من المجاهدين والقاعدين بسبب ضررٍ لحقهم وعدهم الله الجزاء الحسن في الآخرة ﴿وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً﴾ أي وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين بغير عذر بالثواب الوافر العظيم ﴿دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي منازل بعضها أعلى من بعض مع المغفرة والرحمة وفي الحديث
«إِن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض».
البَلاغَة: تضمنت هذه الآيات من البلاغة والبيان والبديع أنواعاً نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام بمعنى الإِنكار في ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين﴾ ؟ وفي ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ﴾ ؟
٢ - الطباق في ﴿أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله﴾ وكذلك ﴿القاعدون.... والمجاهدون﴾.
٣ - والجناس المغاير في ﴿تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ﴾ وفي ﴿مَغْفِرَةً... غَفُوراً﴾.
٤ - الإِطناب في ﴿فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.... وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين﴾ وكذلك في ﴿أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً﴾ ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً﴾.
٥ - الاستعارة في ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ استعار الضرب للسعي في قتال الأعداء واستعار السبيل لدين الله، ففيه استعارة الضرب للجهاد، واستعارة السبيل لدين الله.
٦ - المجاز المرسل في ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أطلق الجزء وأراد الكل أي عتق مملوك.
الفوَائِد: القتل العمد من أعظم الجرائم في نظر الإِسلام ولهذا كانت عاقبته في غاية التغليظ والتشديد وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «من أعان على قتل مسلم مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله» وفي الحديث أيضاً «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن» تنبيه: أمر تعالى في القتل الخطأ بإِعتاق رقبةٍ مؤمنة والحكمة في هذا - والله أعلم - أنه لما اخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار إِذ أن إِطلاقها من قيد


الصفحة التالية
Icon