الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} أي وزواج الحرائر من الكتابيات (يهوديات أو نصرانيات) وهذا رأي الجمهور وقال عطاء: قد أكثر الله المسلمات وإِنما رخص لهم يومئذٍ ﴿إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أي إِذا دفعتم لهن مهورهن ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ أي حال كونكم أعفاء بالنكاح غير مجاهرين بالزنى ﴿وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ﴾ أي وغير متخذين عشيقات وصديقات تزنون بهن سراً قال الطبري: المعنى ولا منفرداً ببغية قد خادنها وخادنته واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها ﴿وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين﴾ أي ومن يرتد عن الدين ويكفر بشرائع الإِيمان فقد بطل عمله وهو من الهالكين، ثم أمر تعالى بإِسباغ الوضوء عند الصلاة فقال ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة﴾ أي إِذا أردتم القيام إِلى الصلاة وأنتم محدثون ﴿فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق﴾ أي اغسلوا الوجوه والأيدي مع المرافق ﴿وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين﴾ أي امسحوا رءوسكم واغسلوا أرجلكم إِلى الكعبين أي معهما قال الزمخشري: وفائدة المجيء بالغاية ﴿إِلَى الكعبين﴾ لدفع ظن من يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تُضرب له غاية في الشريعة وفي الحديث
«ويلٌ للأعقاب من النار» وهذا الحديث يردُّ على الإِمامية الذين يقولون بأن الرجلين فرضهما المسحُ لا الغسل، والآية صريحة لأنها جاءت بالنصب ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ فهي معطوفة على المغسول وجيء بالمسح بين المغسولات لإِفادة الترتيب ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا﴾ أي إِن كنتم في حالة جنابة فتطهروا بغسل جميع البدن ﴿وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ﴾ أي إِن كنتم مرضى ويضركم الماء، أو كنتم مسافرين ولم تجدوا الماء ﴿أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الغائط﴾ أي أتى من مكان البراز ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النسآء﴾ أي جامعتموهنَّ ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً﴾ أي ولم تجدوا الماء بعد طلبه فاقصدوا التراب الطاهر للتيمم به ﴿فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ﴾ أي امسحوا وجوهكم وأيديكم بالتراب بضربتين كما وضّحت السنة النبوية ﴿مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ أي ما يُريد بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم تضييقاً عليكم ﴿ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي يطهركم من الذنوب وأدناس الخطايا بالوضوء والتيمم، وليتم نعمته عليكم ببيان شرائع الإِسلام لتشكروه على نعمه التي لا تحصى ﴿واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ الخطاب للمؤمنين والنعمةُ هنا للإِسلام وما صاروا إِليه من اجتماع الكلمة والعزة أي اذكروا يا أيها المؤمنون نعمة الله العظمى عليكم بالإِسلام وعهده الذي عاهدكم عليه رسوله حين بايعتموه على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره ﴿واتقوا الله إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي اتقوا الله فإِنه عالم بخفايا نفوسكم فيجازيكم عليها ﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ﴾ أي كونوا مبالغين في الإِستقامة بشهادتكم لله وصيغة قوّام للمبالغة ﴿شُهَدَآءَ بالقسط﴾ أي تشهدون بالعدل ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾ أي لا يحملنكم شدة بغضكم للأعداء على ترك العدل فيهم والاعتداء عليهم ﴿اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى﴾ أي العدل مع من تبغضونهم أقرب لتقواكم لله ﴿واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي مطلع على أعمالكم