سوء الأدب بعبارةٍ تقتضي الكفر والاستهانة بالله ورسوله، وأين هؤلاء من الصحابة الأبرار الذين قالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لسنا نقول لك كما قالت بنو إِسرائيل ولكن نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إِنّا معكما مقاتلون؟! ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فافرق بَيْنَنَا وَبَيْنَ القوم الفاسقين﴾ أي قال موسى حينذاك معتذراً إِلى الله متبرءاً من مقالة السفهاء: يا ربّ لا أملك قومي، لا أملك إلا نفسي وأخي هارون فافصل بيننا وبين الخارجين عن طاعتك بحكمك العادل ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض﴾ استجاب الله دعاءه وعاقبهم في التّيه أربعين سنة والمعنى: قال الله لموسى إِن الأرض المقدسة محرم عليهم دخولها مدة أربعين سنة يتيهون في الأرض ولا يهتدون إِلى الخروج ﴿فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين﴾ أي لا تحزن عليهم فإِنهم فاسقون مستحقون للعقاب قال في التسهيل: روي أنهم كانوا يسيرون الليل كله فإِذا أصبحوا وجدوا أنفسهم في الموضع الذي كانوا فيه.
البَلاَغَة: ١ - ﴿أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ بسط الأيدي كناية عن البطش والفتك، وكف الأيدي كناية عن المنع والحبس.
٢ - ﴿وَبَعَثْنَا مِنهُمُ﴾ فيه التفات عن الغيبة إِلى المتكلم ومقتضى الظاهر وبعث وإِنما التفت اعتناءً بشأنه.
٣ - ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور﴾ فيه استعارة استعار الظلمات للكفر والنور للإِيمان.
٤ - ﴿وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً﴾ فيه تشبيه بليغ أي كالملوك في رغد العيش وراحة البال فحذف أداة الشبه ووجه الشبه فأصبح بليغاً.
٥ - الطباق بين ﴿يَغْفِرُ... وَيُعَذِّبُ﴾.
٦ - ﴿أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا﴾ جملة اعتراضية لبيان فضل الله على عباده الصالحين.
الفوَائِد: الأولى: إِنما سميت الأرض المقدسة أي المطهرة لسكنى الأنبياء المطهرين فيها فشرفت وطهرت بهم فالظرف طاب بالمظروف.
الثانية: قال بعض العارفين لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فسكت ولم يردّ عليه فتلا عليه هذه الآية ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ ففي الآية دليل على أن المحب لا يعذب حبيبه ذكره ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon