وصف تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع، لأنه حذَّر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إِذهاب أسماعهم وأبصارهم قادر.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
أولاً: المبالغة في التكذيب لهم ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ كان الأصل أن يقول: «وما آمنوا» ليطابق قوله من يقول «آمنا» ولكنه عدل عن الفعل إلى الاسم لإِخراج ذواتهم من عداد المؤمنين وأكده بالباء للمبالغة في نفي الإِيمان عنهم.
ثانياً: الاستعارة التمثيلية ﴿يُخَادِعُونَ الله﴾ شبَّه حالهم مع ربهم في إِظهار الإِيمان وإِخفاء الكفر بحال رعيةٍ تخادع سلطانهم واستعير اسم المشبَّه به للمشبه بطريق الاستعارة.
ثالثاً: صيغة القصر ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ وهذا من نوع «قصر الموصوف على الصفة» أي نحن مصلحون ليس إِلاَّ.
رابعاً: الكناية اللطيفة ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ المرضُ في الأجسام حقيقة وقد كنى به عن النفاق لأن المرض فسادٌ للبدن، والنفاق فساد للقلب.
خامساً: تنويع التأكيد ﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون﴾ جاءت الجملة مؤكدة بأربع تأكيدات ﴿ألا﴾ التي تفيد التنبيه، و ﴿إِنَّ﴾ التي هي للتأكيد، وضمير الفصل ﴿هُمُ﴾ ثم تعريف الخبر ﴿المفسدون﴾ ومثلها في التأكيد ﴿ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء﴾ وهذا ردٌّ من الله تعالى عليهم بأبلغ ردٌّ وأحكمه.
سادساً: المشاكلة ﴿الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ سمَّى الجزاء على الاستهزاء استهزاءً بطريق المشاكلة وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى.
سابعاً: الاستعارة التصريحية ﴿اشتروا الضلالة بالهدى﴾ المراد استبدلوا الغيَّ بالرشاد، والكفر بالإِيمان فخسرت صفقتهم ولم تربح تجارتهم فاستعار لفظ الشراء للاستبدال ثم زاده توضيحاً بقوله ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ وهذا هو الترشيح الذي يبلغ بالاستعارة الذروة العليا.
ثامنا: التشبيه التمثيلي ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً﴾ وكذلك ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظُلُمَاتٌ﴾ شبه في المثال الأول المنافق بالمستوقد للنار، وإِظهاره الإِيمان بالإِضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، وفي المثال الثاني شبَّه الإِسلام بالمطر لأن القلوب تحيا به كحياة الأرض بالماء، وشبَّه شبهات الكفار بالظلمات، وما في القرآن من الوعد والوعيد والبرق.. الخ.


الصفحة التالية
Icon