المنَاسَبَة: لّما حذر تعالى المؤمنين من موالاة الكافرين، وكانت رسالته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تتضمن الطعن في أحوال الكفرة والمخالفين، وهذا يستدعي مناصيتهم العداء له ولأتباعه أمره تعالى في هذه الآيات بتبليغ الدعوة، ووعده بالحفظ والنصرة، ثم ذكر تعالى طرفاً من عقائد أهل الكتاب الفاسدة وبخاصة النصارى الذين يعتقدون بألوهية عيسى وأنه ثالث ثلاثة، وردّ عليهم بالدليل القاطع والبرهان الساطع.
اللغَة: ﴿يَعْصِمُكَ﴾ العصمة: الحفظ والحماية ﴿طُغْيَاناً﴾ الطغيان: تجاوز الحد في الظلم والغلوُّ فيه ﴿تَأْسَ﴾ تحزن يقال: أسِيَ، والأسى: الحزن قال:
وانحلبتْ عيناه من فرط الأسَى... ﴿خَلَتْ﴾ مضت ﴿صِدِّيقَةٌ﴾ الصدِّيق: المبالغ في الصدق وفِعِّيل من أبنية المبالغة كما يقال رجل سِكيِّت أي مبالغ في السكوت أي كثير السكر ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ يُصرفون عن الحق يقال: أَفَكه إِذا صرفه ومنه ﴿أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا﴾ [الأحقاف: ٢٢] ﴿تَغْلُواْ﴾ الغلو: التجاوز في الحد والتشدد في الأمر يقال: غلا في دينه غلواً فيه حتى جاوز الحد. سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال: «لّما بعثني الله برسالته ضقتُ بها ذرعاً وعرفتُ أن من الناس من يكذبني فأنزل الله ﴿ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ الآية».
ب - وعن ابن عباس قال: «جاء جماعة من اليهود إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقالوا: ألست تُقرُّ أن التوراة حق من عند الله؟ قال: بلى فقالوا: فإِنّا نؤمن بها ولا نؤمن بما عداها» فأنزل الله ﴿قُلْ ياأهل الكتاب لَسْتُمْ على شَيْءٍ حتى تُقِيمُواْ التوراة والإنجيل... ﴾ الآية.
التفِسير: ﴿ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ هذا نداءُ تشريفٍ وتعظيمٍ ناداه تعالى بأشرف الأوصاف بالرسالة الربانية أي بلّغْ رسالة ربك غير مراقب أحداً ولا خائفٍ أن ينالك مكروه ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ قال ابن عباس: المعنى بلّغْ جميع ما أنزل إِليك من ربك فإِن كتمتَ شيئاً منه فما بلّغت رسالته، وهذا تأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئاً من أمر شريعته ﴿والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس﴾ أي يمنعك من أن ينالوك بسوء قال الزمخشري: هذا وعدٌ من الله بالحفظ والكلاءة والمعنى: والله يضمن لك العصمة من أعدائك فما عذرك في مراقبتهم؟ «روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يُحرس حتى نزلت فأخرج رأسه من قبة أدَم وقال: انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله عَزَّ وَجَلَّ» ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين﴾ أي إِنما عليك البلاغ والله هو الذي يهدي من يشاء فمن قُضي له بالكفر لا يهتدي أبداً {قُلْ ياأهل الكتاب لَسْتُمْ على شَيْءٍ حتى تُقِيمُواْ التوراة


الصفحة التالية
Icon