سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ} وهذا هو المخصوص بالذم أي بئس ما قدموه لآخرتهم سخطُ الله وغضبُه عليهم ﴿وَفِي العذاب هُمْ خَالِدُونَ﴾ أي وفي عذاب جهنم مخلّدون أبد الآبدين ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ أي لو كان هؤلاء اليهود يصدّقون بالله ونبيّهم وما جاءهم من الكتاب ما اتخذوا المشركين أولياء ﴿ولكن كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ أي ولكنَّ أكثرهم خارجون عن الإِيمان وطاعة الله عَزَّ وَجَلَّ.
البَلاَغَة: ١ - ﴿لَسْتُمْ على شَيْءٍ﴾ في هذا التعبير من التحقير والتصغير ما لا غاية وراءه.
٢ - ﴿إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أضاف الاسم الجليل إِليهم تلطفاً معهم في الدعوة.
٣ - ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ لم يقل عليهم وإِنما وضع الظاهر مكان الضمير للتسجيل عليهم بالرسوخ في الكفر.
٤ - ﴿والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ صيغة المضارع بدل الماضي ﴿بما عملوا﴾ لحكاية الحال الماضية استحضاراً لصورتها الفظيعة ومراعاة لرءوس الآيات.
٥ - ﴿فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة﴾ إِظهار الاسم الجليل في موضع الإِضمار لتهويل الأمر وتربية المهابة.
٦ - الاستعارة ﴿فَعَمُواْ وَصَمُّواْ﴾ استعار العمى والصمم للإِعراض عن الهداية والإِيمان.
٧ - ﴿انظر كَيْفَ نُبَيِّنُ﴾ ﴿ثُمَّ انظر أنى يُؤْفَكُونَ﴾ قال أبو السعود: تكرير الأمر بالنظر للمبالغة في التعجيب ولفظ «ثمَّ» لإِظهار ما بين العجبين من التفاوت أي إن بياننا للآيات أمرٌ بديع بالغٌ أقصى الغايات من الوضوح والتحقيق وإِعراضهم عنها أعجبُ وأبدع.
٨ - ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ تقبيحٌ لسوء أعمالهم وتعجيبٌ منه بالتوكيد مع القسم.
الفوَائِد: قال بعض المحققين في قوله تعالى ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً﴾ إِذا كان هذا في حق عيسى النبي فما ظنك بوليّ من الأولياء هل يملك لهم نفعاً ولا ضراً؟!
تنبيه: قال ابن كثير: دلت الآية ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ على أن مريم بنبيَّة كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إِلى نبوة «سارة» ونبوة «أم موسى» استدلالاً منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبياً إِلا من الرجال ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ﴾ [يوسف: ١٠٩] وحكى الأشعري الإِجماع على ذلك.


الصفحة التالية
Icon