يمتلئ الإِناء ويسيل من شدة الامتلاء يقال: فاض الماء وفاض الدمع قال الشاعر:
ففاضتْ دموعُ العينِ منّي صَبَابةً | على النحر حتى بلَّ دمعي مْحِمَلي |
صيدُ الملوكِ أرانبٌ وثعالبٌ | وإِذا ركبتُ فصيديَ الأَبْطالُ |
ب - عن أنس قال: كنتُ ساقي القوم يوم حُرّمت الخمر في بيت «أبي طلحة» وما شرابهم إِلا الفضيخ والبسر والتمر، وإِذا منادٍ ينادي إِن الخمر قد حرّمت قال: فأريقت في سكك المدينة فقال أبو طلحة إِذهب فأهرقها فقال بعض القوم قُتل قومٌ وهي في بطونهم فأنزل الله ﴿لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا﴾.
التفِسير: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود والذين أَشْرَكُواْ﴾ اللام للقسم أي قسماً لتجدنَّ يا محمد اليهود والمشركين أشدَّ الناس عداوة للمؤمنين ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الذين قالوا إِنَّا نصارى﴾ نزلت في النجاشي ملك الحبشة وأصحابه قال الزمخشري: وصف الله شدة شكيمة اليهود وصعوبة إِجابتهم إِلى الحق، ولين عريكة النصارى وسهولة ميلهم إِلى الإِسلام، وجعل اليهود قرناء المشركين في شدة العداوة للمؤمنين بل نبّه على زيادة عداوتهم وبتقديمهم على الذين أشركوا ﴿ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً﴾ تعليلٌ لقرب مودتهم أي كونهم أقرب مودة بسبب أن منهم علماء وعُباداً ﴿وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي يتواضعون لوداعتهم ولا يتكبرون كاليهود قال البيضاوي: وفيه دليلٌ على أن التواضعَ والإِقبال على العلم والعمل والإِعراض عن الشهوات، محمودٌ وإِن كان من كافر ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول﴾ أي إِذا سمعوا القرآن المُنْزَل على محمد رسول الله ﴿ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع﴾ أي فاضت أعينهم بالدمع من خشية الله لرقة قلوبهم وتأثرهم بكلام الله الجليل ﴿مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق﴾ أي من أجل معرفتهم أنه كلام الله وأنه حق ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا﴾ أي يقولون يا ربنا صدقنا بنبيّك وكتابك ﴿فاكتبنا مَعَ الشاهدين﴾ أي مع أمة محمد عليه السلام الذين يشهدون على الأمم يوم القيامة قال ابن عباس: نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه الذين حين تلا عليهم «جعفر بن أبي طالب» بالحبشة القرآن بكوا حتى أخضلوا لحاهم ﴿وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَآءَنَا مِنَ الحق﴾ أي ما الذي يمنعنا عن الإِيمان ويصدنا عن اتّباع الحق وقد لاح لنا الصواب