فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الموت} أي إن أنتم فقاربكم الأجل ونزل بكم الموت ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصلاة﴾ أي توقفونهما من بعد صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وكذا فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ استحلف عديّاً وتميماً بعد العصر عند المنبر ﴿فَيُقْسِمَانِ بالله إِنِ ارتبتم﴾ أي يحلفان بالله إن شككتم وارتبتم في شهادتهما قال أبو السعود: أي إن ارتاب بهما الوارث منكم بخيانةٍ وأخذ شيء من التركة فاحبسوهما وحلفوهما بالله ﴿لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قربى﴾ أي يحلفان بالله قائلين: لا نحابي بشهادتنا أحداً ولا نستبدل بالقسم بالله عرضاً من الدنيا أي لا نحلف بالله كاذبين من أجل المال ولو كان من نُقسم له قريباً لنا ﴿وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآثمين﴾ أي ولا نكتم الشهادة التي أمرنا الله تعالى بإقامتها إنّا إن فعلنا ذلك كنا من الآثمين ﴿فَإِنْ عُثِرَ على أَنَّهُمَا استحقآ إِثْماً﴾ أي فإن اطًّلع بعد حلفهما على خيانتهما أو كذبهما في الشهادة ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الذين استحق عَلَيْهِمُ الأوليان﴾ أي فرجلان آخران من الورثة المستحقين للتركة يقومان مقام الشاهدين الخائنين وليكونا من أولى من يستحق الميراث ﴿فَيُقْسِمَانِ بالله لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا﴾ أي يحلفان بالله لشهادتنا أصدق وأولى بالسماع والاعتبار من شهادتهما لأنهما خانا ﴿وَمَا اعتدينآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظالمين﴾ أي وما اعتدينا فيما قلنا فيهما من الخيانة إنّا إذا كذبنا عليهم نكون من الظالمين ﴿ذلك أدنى أَن يَأْتُواْ بالشهادة على وَجْهِهَآ﴾ أي ذلك الحكم أقرب أن يأتوا بالشهادة على حقيقتها من غير تغيير ولا تبديل ﴿أَوْ يخافوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ أي يخافوا أن يحلف غيرهم بعدهم فيفتضحوا ﴿واتقوا الله واسمعوا﴾ أي خافوا ربم وأطيعوا أمره ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين﴾ أي والله لا يهدي الخارجين عن طاعته إلى جنته ورحمته.
البَلاَغَة: ١ - ﴿والهدي والقلائد﴾ عطفُ القلائد على الهدي من عطف الخاص على العام، خُصّت بالذكر لأن الثواب فيها أكثر، وبهاء الحج بها أظهر.
٢ - ﴿مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ﴾ أطلق المصدر البلاغ وأراد به التبليغ للمبالغة.
٣ - ﴿الخبيث والطيب﴾ بينهما طباقٌ، وبين ﴿فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ﴾ جناس الاشتقاق وكلاهما من المحسنات البديعية.
٤ - ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ جملة خبرية لفظاً إنشائية معنى يراد منها الأمر أي ليشهد بينكم.
الفوَائِد: قال الإمام الشاطبي: الإِكثار من الأسئلة مذموم وله مواضع نذكر منها عشرة:
أحدها: السؤال عما لا ينفع في الدين كسؤال بعضهم: من أبي؟
ثانيها: أن يسأل ما يزيد عن الحاجة كؤال الرجل عن الحج: أكلَّ عام؟
ثالثها: السؤال من غير احتياج إليه في الوقت ويدل عليه: «ذروني ما تركتكم»
رابعها: أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها كما جاء في النهي عن الأغلوطات.
خامسها: أن يسأل عن علة الحكم في التعبدات كالسؤال عن قضاء الصوم للحائض دون الصلاة.