كذبهم الصريح ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي تلاشى وبطل ما كانوا يظنونه من شفاعة آلهتهم وغاب عنهم ما كانوا يفترونه على الله من الشركاء، ثم وصف تعالى حال المشركين حين استماع القرآن فقال ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ أي ومن هؤلاء المشركين من يصغي إِليك يا محمد حين تتلو القرآن ﴿وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ﴾ أي جعلنا على قلوبهم أغطية لئلا يفقهوا القرآن ﴿وفي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ أي ثقلاًَ وصمماً يمنع من السمع قال ابن جزي: والمعنى أن الله حال بينهم وبين فهم القرآن إذا استمعوه وعبّر بالأكنَّة والوقر مبالغة ﴿وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا﴾ أي مهما رأوا من الآيات والحجج البيّنات لا يؤمنوا بها لفرط العناد ﴿حتى إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الذين كفروا إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ أي بلغوا من التكذيب والمكابرة إِلى أنهم إِذا جاءوك مجادلين يقولون عن القرآن ما هذا إلا خرافات وأباطيل الأولين ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ أي هؤلاء المشركون المكذبون ينهون الناس عن القرآن وعن اتباع محمد عليه السلام ويُبعدون هم عنه ﴿وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أي وما يهلكون بهذا الصنيع إِلا أنفسهم وما يشعرون بذلك قال ابن كثير: فهم قد جمعوا بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون ولا يدعون أحداً ينتفع ولا يعود وباله إِلا عليهم وما يشعرون ﴿وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار﴾ أي لو ترى يا محمد هؤلاء المشركين إِذ عرضوا على النار لرأيت أمراً عظيماً تشيب لهوله الرءوس قال البيضاوي: وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف تقديره لرأيت أمراً شنيعاً وإِنما حذف ليكون أبلغ ما يقدره السامع ﴿فَقَالُواْ ياليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ أي تمتّوا الرجوع إِلى الدنيا ليعملوا عملاً صالحاً ولا يكذبوا بآيات الله ﴿وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين﴾ أي إِذا رجعنا إِلى الدنيا نصدّق ونؤمن بالله إِيماناً صادقاً فتمنوا العودة ليصلحوا العمل ويتداركوا الزلل قال تعالى ردّاً لذلك التمني ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ﴾ أي ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا يخفون في الدنيا من عيوبهم وقبائحهم فتمنوا ذلك ﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي لو ردّوا - على سبيل الفرض لأنه لا رجعة إلى الدنيا بعد الموت - لعادوا إلى الكفر والضلال وإِنهم لكاذبون في وعدهم بالإِيمان ﴿وقالوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ أي قال أولئك الكفار الفجار ما هي إِلا هذه الحياة الدنيا ولا بعث ولا نشور ﴿وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبِّهِمْ﴾ أي لو ترى حالهم إذ حُبسوا للحساب أمام رب الأرباب كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده للعقاب وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف للتهويل من فظاعة الموقف ﴿قَالَ أَلَيْسَ هذا بالحق﴾ أي أليس هذا المعاد بحق؟ والهمزة للتقريع على التكذيب ﴿قَالُواْ بلى وَرَبِّنَا﴾ أي قالوا بلى والله إِنه الحق ﴿قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون﴾ أي ذوقوا العذاب بسبب كفركم في الدنيا وتكذيبكم رسل الله، ثم أخبر تعالى عن هؤلاء الكفار فقال ﴿قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الله﴾ أي لقد خسر هؤلاء المكذبون بالبعث ﴿حتى إِذَا جَآءَتْهُمُ الساعة بَغْتَةً﴾ أي حتى إِذا جاءتهم القيامة فجأةً من غير أن يعرفوا وقتها قال القرطبي: سميت القيامة بالساعة لسرعة الحساب فيها ﴿قَالُواْ ياحسرتنا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ أي قالوا يا ندامتنا على