مع الملحدين وأهل الجدل والخوض فيه ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً﴾ أي اترك هؤلاء الفجرة الذين اتخذوا الدين الذي كان ينبغي احترامه وتعظيمه لعباً ولهواً باستهزائهم به ﴿وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا﴾ أي خدعتهم هذه الحياة الفانية حتى زعموا أن لا حياة بعدها أبداً ﴿وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ أي وذكّر بالقرآن الناس مخالفة أن تُسْلم نفسٌ للهلاك وتُرهن بسوء عملها ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ﴾ أي ليس لها ناصرٌ ينجيها من العذاب ولا شفيع يشفع لها عند الله ﴿وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ﴾ أي وإِن تُعْط تلك النفس كل فدية لا يقبل منها قال قتادة: لو جاءت بملء الأرض ذهباً لم يُقبل منها ﴿أولئك الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ﴾ أي أُسلموا العذاب الله بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الشنيعة ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾ أي لهؤلاء الضالين شرابٌ من ماء مغليّ يتجرجر في بطونهم وتتقطع به أمعاؤهم، ونارٌ تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم المستمر فلهم مع الشراب الحميم العذاب الأليم والهوان المقيم ﴿قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا﴾ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي قل لهم يا محمد أنعبد ما لا ينفعنا إِن دعوناه ولا يضرنا إِن تركناه؟ والمراد به الأصنام ﴿وَنُرَدُّ على أَعْقَابِنَا﴾ أي نرجع إِلى الضلالة بعد الهدى ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله﴾ أي بعد أن هدانا الله للإِسلام ﴿كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض﴾ أي فيكون مثلنا كمثل الذي اختطفته الشياطين وأضلته وسارت به في المفاوز والمهالك فألقته في هوّة سحيقة ﴿حَيْرَانَ﴾ أي متحيراً لا يدري أين يذهب ﴿لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى ائتنا﴾ أي إِلى الطريق الواضح يقولون ائتنا فلا يقبل منهم ولا يستجيب لهم ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى﴾ أي قل لهؤلاء الكفار إِنَّ ما نحن عليه من الإِسلام هو الهدى وحده وما عداه ضلال ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين﴾ أي أمرنا بأن نستسلم لله عَزَّ وَجَلَّ ونخلص له العبادة في جميع أمورنا وأحوالنا، وهذا تمثيلٌ لمن ضلّ عن الهدى وهو يُدْعى إِلى الإِسلام فلا يُجيب قال ابن عباس: هذا مثلٌ ضربه الله للآلهة ومن يدعو إِليها وللدعاة الذين يدعون إِلى الله، كمثل رجلٍ ضلّ عن الطريق تائهاً ضالاً إِذ ناداه منادٍ يا فلان هلُمَّ إِلى الطريق وله أصحاب يدعونه يا فلان هلُمَّ إِلى الطريق، فإِن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في الهلكة وإِن أجاب من يدعوه إِلى الهدى اهتدى إلى الطريق يقول: مثل من يعبد هؤلاء الآلهة من دون الله فإِنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الهَلَكة والندامة ﴿وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه﴾ أي وأُمرنا بإِقامة الصلاة وبتقوى الله في جميع الأحوال ﴿وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أي تجمعون إِليه يوم القيامة فيجازي كل عاملٍ بعمله ﴿وَهُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بالحق﴾ أي هو سبحانه الخالق المالك المدبر للسماوات والأرض ومن فيهما خلقهما بالحق ولم يخلقهما باطلاً ولا عبثاً ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ﴾ أي واتقوه واتقوا عقابه والشدائد يوم يقول كن فيكون قال أبو حيان: وهذا تمثيلٌ لإِخراج الشيء من العدم إِلى الوجود وسرعته لا أنَّ ثَمَ شيئاً يؤمر ﴿قَوْلُهُ الحق وَلَهُ الملك﴾ أي قوله الصدق الواقع لا محالة وله الملك يوم القيامة ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور﴾ أي يوم


الصفحة التالية
Icon