أن الحِسْبان مصدر حَسِب ونظيره الكُفران والشُكران ﴿مُّتَرَاكِباً﴾ بعضه فوق بعض ﴿قِنْوَانٌ﴾ جمع قِنْو وهو العِذِقُ أي عنقود النخلة ﴿وَيَنْعِهِ﴾ أي نُضْجه وإدراكه يقال: يَنَعت الشجرةُ وأيْنعتْ إذا نضجت ﴿خَرَقُواْ﴾ اختلقوا كذباً وإِفكاً ﴿بَدِيعُ﴾ مبدع وهو الخالق على غير مثال سابق، والإِبداع الإِتيان بشيء لم يُسبق إليه ولهذا يقال لمن أتى في فنّ من الفنون لم يسبقه فيه غيره إنه أبدع ﴿نُصَرِّفُ﴾ التصريف: نقل الشيء من حال إلى حال.
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قال: قال كفار قريش لأبي طالب إمّا أن تنهى محمداً وأصحابه عن سب آلهتنا والنَّيل منها وإِمّا أن نسب إِلهه ونهجوه فنزلت ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ... ﴾ الآية وفي رواية أخرى أن المشركين قالوا يا محمد: لتنتهينّ عن سبك آلهتنا أو لنهجونَّ ربك فنزلت.
التفِسير: عاد الكلام إلى الاحتجاج على المشركين بعجائب الصنع ولطائف التدبير فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى﴾ أي يفلق الحبَّ تحت الأرض لخروج النبات منها ويفلق النوى لخروج الشجر منها قال القرطبي: أي يشق النواة الميتة فيُخرج منها ورقاً أخضر وكذلك الحبة ﴿يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي﴾ أي يخرج النبات الغضِّ الطريّ من الحبّ اليابس، ويخرج الحبَّ اليابس من النبات الحيّ النامي عن ابن عباس: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وعلى هذا فالحي والميت استعارة عن المؤمن والكافر ﴿ذلكم الله فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ أي ذلكم الله الخالق المدبر فكيف تُصرفون عن الحق بعد هذا البيان ﴿ {فَالِقُ الإصباح﴾ أي شاقُّ الضياء عن الظلام وكاشفه قال الطبري: شقَّ عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده ﴿وَجَعَلَ الليل سَكَناً﴾ أي يسكن الناس فيه عن الحركات ويستريحون ﴿والشمس والقمر حُسْبَاناً﴾ أي بحساب دقيق يتعلق به مصالح العباد، ويُعرف بهما حساب الأزمان والليل والنهار ﴿ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم﴾ أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم تقدير الغالب القاهر الذي لا يستعصي عليه شيء العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم ﴿وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر﴾ أي خلق لكم النجوم لتهتدوا بها في أسفاركم في ظلمات الليل في البر والبحر، وإنما امتنّ عليهم بالنجوم لأن سالكي القفار، وراكبي البحار إنما يهتدون في الليل لمقاصدهم بها ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أبي بيّنا الدلائل على قدرتنا لقوم يتدبرون عظمة الخالق ﴿وَهُوَ الذي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي خلقكم وأبدعكم من نفسٍ واحدة هي آدم عليه السلام ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ قال ابن عباس: المستقرُّ في الأرحام والمستودع في الأصلاب، أي لكم استقرار في أرحام أمهاتكم وأصلاب آبائكم، وقال ابن مسعود: مستقر في الرحم ومستودع في الأرض التي تموت فيها {قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ


الصفحة التالية
Icon