السدي: ظاهره الزنى مع البغايا وباطنه الزنى مع الصدائق والأخدان ﴿إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾ أي يكسبون الإِثم والمعاصي ويأتون ما حرّم الله سيلقون في الآخرة جزاء ما كانوا يكتسبون ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ﴾ أي لا تأكلوا أيها المؤمنون ممَّا ذُبح لغير الله أو ذكر اسم غير الله عليه كالذي يذبح للأوثان ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ أي وإِن الأكل منه لمعصيةً وخروجٌ عن طاعة الله ﴿وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ أي وإِن الشياطين ليوسوسون إِلى المشركين أوليائهم في الضلال لمجادلة المؤمنين بالباطل في قولهم: أتأكلون ممّا قتلتم ولا تأكلون مما قتل الله؟ يعني الميتة ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ أي وإِن أطعتم هؤلاء المشركين في استحلال الحرام وساعدتموهم على أباطيلهم إِنكم إِذاً مثلهم قال الزمخشري: لأن من اتبع غير الله تعالى في دينه فقد أشرك به، ومن حق ذي البصيرة في دينه ألا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيفما كان للتشديد العظيم ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ قال أبو حيان: لما تقدم ذكر المؤمنين والكافرين مثَّل تعالى بأن شبّه المؤمن بالحيّ الذي له نور يتصرف به كيفما سلك، والكافر بالمتخبط في الظلمات المستقر فيها ليظهر الفرق بين الفريقين والمعنى: أو من كان بمنزلة الميت أعمى البصيرة كافراً ضالاً، فأحيا الله قلبه بالإِيمان، وأنقذه من الضلالة بالقرآن ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس﴾ أي وجعلنا مع تلك الهداية النور العظيم الوضاء الذي يتأمل به الأشياء فيميز به بين الحق والباطل ﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ أي كمن هو يتخبط في ظلمات الكفر والضلالة لا يعرف المَنْفذ ولا المخْلص؟ قال البيضاوي: وهو مَثلٌ لمن بقي في الضلالة لا يفارقها بحال ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي وكما بقي هذا في الظلمات يتخبّط فيها كذلك حسناً للكافرين وزينا لهم ما كانوا يعملون من الشرك والمعاصي ﴿وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا﴾ أي وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها كذلك جعلنا في كل بلدةٍ مجرميها من الأكابر والعظماء ليفسدوا فيها قال ابن الجوزي: وإِنما جعل الأكابر فُسَّاق كل قرية لأنهم أقربُ إلى الكفر بما أعطوا من الرياسة والسعة ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أي وما يدرون أن وبال هذا المكر يحيق بهم ﴿وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ﴾ أي وإِذا جاءت هؤلاء المشركين حجةٌ قاطعة وبرهانٌ ساطع على صدق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قالوا لن نصدّق برسالته حتى نُعطى من المعجزات مثل ما أُعطي رسُل الله، قال في البحر: وإِنما قالوا ذلك على سبيل التهكم والاستهزاء ولو كانوا موقنين غير معاندين لاتبعوا رسل الله تعالى، وروي أن أبا جهل قال: زاحمنا بني عبد منافٍ في الشرف حتى إِذا صرنا كفَرَسيْ رهان قالوا: منّا نبيٌ يُوحى إِليه! والله لا نرضي به ولا نتبعه أبداص إِلا أن يأتينا وحيٌ كما يأتيه فنزلت الآية ﴿الله الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ أي الله أعلم من هو أهلٌ للرسالة فيضعها فيه وقد وضعها فيمن اختاره لها وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دون أكابر مكة كأبي جهل والوليد بن المغيرة {سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ


الصفحة التالية
Icon