الدار} أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أنحن أم أنتم؟ ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون﴾ أي لا ينجح ولا يفوز بمطلوبه من كان ظالماً قال الزمخشري: في الآية طريقٌ من الإِنذار لطيف المسلك، فيه إِنصاف في المقال وأدبٌ حسن، مع تضمن شدة الوعيد، والوثوق بأن المُنْذر محِقٌ، والمْنذَر مبطل ﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً﴾ أي جعل مشركو قريش لله ممّا خلق من الزرع والأنعام نصيباً ينفقونه على الفقراء ولشركائهم نصيباً يصرفونه إِلى سدنتها قال ابن كثير: هذا ذمٌ وتوبيخٌ من الله للمشركين الذين ابتدعوا بدعاً وكفراً وشركاً، وجعلوا لله شركاء وهو خالق كل شيء سبحانه ﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ﴾ أي خلق وبرأ من الزرع والثمار والأنعام جزءاً وقسماً ﴿فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ﴾ أي قالوا: هذا نصيب الله بزعمهم أي بدعواهم وقولهم من غير دليل ولا شرع قال في التسهيل: وأكثرُ ما يقال الزعم في الكذب ﴿وهذا لِشُرَكَآئِنَا﴾ أي وهذا النصيب لآلهتنا وأصنامنا قال ابن عباس: إِنَّ أعداء الله كانوا إِذا حرثوا حرثاً أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله منه جزءاً وللوثن جزءاً، فما اكن من حرثٍ أو ثمرةٍ أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه، وإِن سقط منه شيء فيما سُمي لله ردّوه إِلى ما جعلوه للوثن وقالوا إِن الله غنيٌّ والأصنام أحوج ولهذا قال: ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إلى الله﴾ أي ما كان للأصنام فلا يصل إلى الله منه شيء ﴿وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكَآئِهِمْ﴾ وما كان من نصيب الله فهو يصل إِلى أصنامهم قال مجاهد: كانوا يسمُّون جزءاً من الحرث لله وجزءاً لشركائهم وأوثانهم فما ذهبت به الريح من نصيب الله إلى أوثانهم تركوه وما ذهب من نصيب أوثانهم إلى نصيب الله ردوه، وكانوا إِذا اصابتهم سَنَةٌ «قحط» أكلوا نصيب الله وتحاموا نصيب شركائهم ﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي بئس هذا الحكم الجائر حكمهم ﴿وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ﴾ أي مثل ذلك التزيين في قسمة القربان بين الله وبين آلهتهم زيَّن شياطينُهم لهم قتل أولادهم بالوأد أو بنحرهم لآلهتهم قال الزمخشري: كان الرجل في الجاهلية يحلف لئن ولد له كذا غلاماً لينحرنَّ أحدهم كما حلف عبد المطلب ﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ أي ليهلكوهم بالإِغواء ﴿وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ أي وليخلطوا عليهم ما كانوا عليهم من دين إِسماعيل عليه السلام ﴿وَلَوْ شَآءَ الله مَا فَعَلُوهُ﴾ أي لو شاء الله ما فعلوا ذلك القبيح ﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ أي دعْهم وما يختلقونه من الإِفك على الله، وهو تهديد ووعيد ﴿وَقَالُواْ هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ هذه حكاية عن بعض قبائحهم وجرائمهم أيضاً أي قال المشركون هذه أنعام وزروع أفردناها لآلهتنا حرام ممنوعة على غيرهم ﴿لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ﴾ أي من خَدمة الأوثان وغيرهم ﴿بِزَعْمِهِمْ﴾ أي بزعمهم الباطل من غير حجة ولا برهان ﴿وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ أي لا تركب كالبحائر والسوائب والحوامي ﴿وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا﴾ أي عند الذبح وإنما يذكرون عليها أسماء الأصنام ﴿افترآء عَلَيْهِ﴾ أي كذباً واختلاقاً على الله ﴿سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي سيجزيهم على ذلك الافتراء، وهو تهديد شديد ووعيد {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ


الصفحة التالية
Icon