كانوا من أصلٍ أو أصول شتى ﴿فَاحِشَةً﴾ الفاحشة هي الشيء الذي تناهى قبحه والمراد بها هنا الطوافُ حول البيت عراةً وكل أمرٍ قبيح يسمى فاحشة، والفحشاء ما اشتد قبحه من الذنوب كالفاحشة.
التفِسير: ﴿المص﴾ تقدم في أول سورة البقرة الكلام عن الحروف المقطّعة وأن الحكمة في ذكرها بيان «إِعجاز القرآن» بالإِشارة إِلى أنه مركب من أمثال هذه الحروف ومع ذلك فقد عجز بلغاؤهم وفصحاؤهم وعباقرتهم عن الإِتيان بمثله وروي عن ابن عباس معناه: أنا الله أعلم وأَفْصِل، وقال أبو العالية: الألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد والصاد مفتاح اسمه صادق ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ أي هذا كتاب أنزله الله إِليك يا محمد وهو القرآن ﴿فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ﴾ أي لا يضقْ صدرك من تبليغه خوفاً من تكذيب قومك ﴿لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي لتنذر بالقرآن من يخاف الرحمن، ولتذكر وتعظ به المؤمنين لأنهم المنتفعون به ﴿اتبعوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي اتبعوا أيها الناس القرآن الذي فيه الهدى والنور والبيان المنزّل إِليكم من ربكم ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾ أي ولا تتخذوا أولياء من دون الله كالأوثان والرهبان والكُهّان تولونهم أموركم وتطيعونهم فيما يشرعون لكم ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ أي تتذكّرون تذكراً قليلاً قال الخازن: أي ما تتعظون إِلا قليلاً ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ أي وكثير من القرى أهلكناها والمراد بالقرية أهلُها ﴿فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً﴾ أي جاءها عذابنا ليلاً ﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ أي جاءهم العذاب في وقت القيلولة وهي النوم في وسط النهار قال أبو حيان: وخصّ مجيء البأس بهذين الوقتين لأنهما وقتان للسكون والدعة والاستراحة فمجيء العذاب فيهما أشق وأفظع لأنه يكون على غفلةٍ من المهلكين ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ﴾ أي ما كان دعاؤهم واستغاثتهم حين شاهدوا العذاب ورأوا أماراته ﴿إِلاَّ أَن قالوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أي إِلا اعترافهم بظلمهم تحسراً وندامة، وهيهات أن ينفع الندم ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ أي لنسألن الأمم قاطبة هل بلّغكم الرسل وماذا أجبتم؟ والمقصودُ من هذا السؤال التقريع والتوبيخ للكفار ﴿وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين﴾ أي لنسألنَّ الرسل أيضاً هل بلّغوا الرسالة وأدوا الأمانة؟ قال في البحر: وسؤال الأمم تقريرٌ وتوبيخ يعقب الكفار والعصاة نكالاً وعذاباً، وسؤال الرسل تأنيسٌ يعقب الأنبياء كرامة وثواباً ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ﴾ أي فلنخبرنهم بما فعلوا عن علمٍ منا قال ابن عباس: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون ﴿وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ﴾ أي ما كنا غائبين عنهم حتى يخفى علينا شيء من أحوالهم قال ابن كثير: يخبر تعالى عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير: وجليل وحقير، لأنه تعالى الشهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴿والوزن يَوْمَئِذٍ الحق﴾ أي والوزن للأعمال يوم القيامة كائن بالعدل ولا يظلم ربك أحداً ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ أي فمن رجحت موازين أعماله بالإِيمان وكثرة الحسنات ﴿فأولئك هُمُ المفلحون﴾ أي الناجون غداً من العذاب الفائزون