دار قدسي ﴿فاخرج إِنَّكَ مِنَ الصاغرين﴾ أي الذليلين الحقيرين قال الزمخشري: وذلك أنه لما أظهر الاستكبار ألبسه الله الذل والصغار فمن تواضع لله رفعه ومن تكبّر على الله وضعه ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ استدرك اللعين فطلب من الله الإِمهال إِلى يوم البعث لينجو من الموت لأن يوم البعث لا موت بعده فأجابه تعالى بقوله ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ﴾ قال ابن عباس: أنظره إِلى النفخة الأولى حيث يموت الخلق كلهم وكان طلب الإِنظار إِلى النفخة الثانية حيث يقوم الناس لرب العالمين فأبى الله ذلك عليه ويؤيده الآية الأخرى
﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم﴾ [الحجر: ٣٧ - ٣٨] ﴿قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم﴾ أي فبسبب إِغوائك وإِضلالك لي لأقعدنَّ لآدم وذريته على طريق الحق وسبيل النجاة الموصل للجنة كما يقعد القُطّاع للسابلة ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ أي آتي عبادك من كل جهة من الجهات الأربع لأصدّهم عن دينك قال الطبري: معناه لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدهم عن الحق وأحسّن لهم الباطل قال ابن عباس: ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى ﴿وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ أي مؤمنين مطيعين شاكرين لنعمك ﴿قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً﴾ أي اخرج من الجنة مذموماً معيباً مطروداً من رحمتي ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ اللام موطئة للقسم أي لمن أطاعك من الإِنس والجن لأملأنَّ جهنم من الأتباع الغاوين أجمعين، وهو وعيد بالعذاب لكل من انقاد للشيطان وترك أمر الرحمن ﴿وَيَآءَادَمُ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة﴾ أي وقلنا يا آدم اسكن مع زوجك حواء الجنة بعد أن أُهبط منها إبليس وأخرج وطرد ﴿فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ أي كلا من ثمارها من أي مكان شئتما ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين﴾ أباح لهما الأكل من جميع ثمارها إِلا شجرة عيّنها لهما ونهاهما عن الأكل منها ابتلاءً وامتحاناً فعند ذلك حسدهما الشيطان وسعى في الوسوسة والمكر والخديعة ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان﴾ أي ألقى لهما بصوتٍ خفي لإِغرائهما بالأكل من الشجرة ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا﴾ أي ليظهر لهما ما كان مستوراص من العورات التي يقبح كشفها ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين﴾ وهذا توضيح لوسوسة اللعين أي قال في وسوسته لهما: ما نهاكما ربكما عن الأكل من الشجرة إِلا كراهية أن تكونا مَلكَين أو تصبحا من المخلّدين في الجنة ﴿وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين﴾ أي حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما وقد يُخْدع المؤمن بالله قال الألوسي: وإِنما عبّر بصيغة المفاعلة للمبالغة لأن من يباري أحداً في فعلٍ يجدُّ فيه ﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾ أي خدعهما بما غرهما به من القسم بالله قال ابن عباس: غرهما باليمين وكان آدم يظن أنه لا يحلف أحدٌ بالله كاذباً فغرهما بوسوسته وقسمه لهما ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا﴾ أي فلما أكلا من الشجرة ظهرت عوراتهما قال الكلبي: تهافت عنهما لباسهما فأبصر كلٌ منهما عورة صاحبه فاستحيا {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن