إن الشيطان يبصركم هو وجنوده من الجهة التي لا تبصرونه منها، فهو لكم بالمرصاد فاحذروا كيده ومكره لأن العدو إِذا أتى من حيث لا يُرى كان أشدَّ وأخوف ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي جعلنا الشياطين أعواناً وقرناء للكافرين ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ أي وإذا فعل المشركون فاحشة وهي الفعلة المتناهية في القبح كالطواف حول البيت عراة ﴿قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا﴾ أي اعتذروا عن ذلك الفعل القبيح بتقليد الآباء ﴿والله أَمَرَنَا بِهَا﴾ أي أمرنا بالتجرد من الثياب إِذ كيف نطوف في ثيابٍ عصينا فيها الله! وهذا افتراء على ذي الجلال قال البيضاوي: احتجوا بأمرين: تقليد الآباء، والافتراء على الله سبحانه، فأعرض عن الأول لظهور فساده، وردَّ الثاني بقوله ﴿قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشآء﴾ أي قل لهم يا محمد: الله منزّه عن النقص لا يأمر عباده بقبائح الأفعال ومساوئ الخصال ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي أتكذبون على الله وتنسبون إِليه القبيح دون علمٍ ونظرٍ صحيح؟ ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط﴾ أي بالعدل والاستقامة ﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ أي توجهوا بكليتكم إِليه عند كل سجود ﴿وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي واعبدوه مخلصين له العبادة والطاعة قال ابن كثير: أي أمركم بالاستقامة في عبادته وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات وبالإِخلاص لله في العبادة فإِن الله تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين: أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، وأن يكون خالصاً من الشرك ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ أي كما بدأكم من الأرض تعودون إِليها ﴿فَرِيقاً هدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة﴾ أي هدى فريقاً منكم وأضلَّ فريقاً منكم وهو الفعال لما يريد لا يُسأل عما يفعل ﴿إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الله﴾ هذا تعليل للفريق الذين حقت عليهم الضلالة أي اتخذوا الشياطين نصراء من دون الله ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ أي يظنون أنهم على بصيرة وهداية.
البَلاَغَة: ١ - ﴿حَرَجٌ مِّنْهُ﴾ أي ضيق من تبليغه فهو على حذف مضاف مثل ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢].
٢ - ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ التعرض لوصف الربوبية مع الإِضافة لضمير المخاطبين لمزيد اللطف بهم وترغيبهم في امتثال الأوامر.
٣ - ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ بين ﴿ثَقُلَتْ﴾ و ﴿خَفَّتْ﴾ طباقٌ وكذلك بين ﴿بَيَاتاً﴾ و ﴿قَآئِلُونَ﴾ لأن البيات معناه ليلاً و ﴿قَآئِلُونَ﴾ معناه نهاراً وقت الظهيرة.
٤ - ﴿خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ هو على حذف مضاف أي خلقنا أباكم وصورنا أباكم.
٥ - ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم﴾ استعار الصراط المستقيم لطريق الهداية الموصلإلى جنان النعيم.
٦ - ﴿وَيَآءَادَمُ﴾ فيه إيجاز بالحذف أي وقلنا يا آدم.
٧ - ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ عبَّر عن الأكل بالقرب مبالغة في النهي عن الأكل منها.