رأوهم أن سلامٌ عليكم أي قالوا لهم: سلام ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ أي لم يدخل أصحاب الأعراف الجنة وهم يطمعون في دخولها ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النار قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين﴾ قال المفسرون: أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فليسوا من أهل الجنة ولا من أهل النار، يحبسون هناك على السور حتى يقضي الله فيهم فإذا نظروا إلى أهل الجنة سلّموا عليهم، وإذا نظروا إلى أهل النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، سألوا الله ألاّ يجعلهم معهم قال أبو حيان: وفي التعبير بقوله ﴿صُرِفَتْ﴾ دليل على أن أكثر أحوالهم النظر إلى أهل الجنة وأن نظرهم إلى أصحاب النار ليس ن قِبَلهم بل هم محمولون عليه والمعنى أنهم إذا حُملوا على صرف أبصارهم ورأوا ما عليه أهل النار من العذاب استغاثوا بربهم من أن يجعلهم معهم ﴿ونادى أَصْحَابُ الأعراف رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ أي من أهل النار وهم رؤساء الكفرة ﴿قَالُواْ مَآ أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي أيُّ شيء نفعكم جمعكم للمال واستكباركم عن الإِيمان؟ والاستفهام للتوبيخ ﴿أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ﴾ أي هؤلاء المؤمنون الضعفاء الذين كنتم في الدنيا تسخرون منهم وتحلفون أن الله لا يدخلهم الجنة، والاستفهام استفهام تقرير وتوبيخ وشماتة يوبخونهم بذلك ﴿ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ أي يقولون للمؤمنين ادخلوا الجنة رغم أنوف الكافرين قال الألوسي: هذا من كلام أصحاب الأعراف يقولون لأهل الجنة المشار إليهم: دوموا في الجنة غير خائفين ولا محزونين على أكمل سرور وأتم كرامة ﴿ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله﴾ يخبر تعالى عن المحاورة بين أهل النار وأهل الجنة بعد استقر بكلٍ من الفريقين القرار واطمأنت به الدار، وعن استغاثتهم بهم عند نزول عظيم البلاء من شدة العطش والجوع والمعنى ينادونهم يوم القيامة أغيثونا بشيء من الماء لنكن به حرارة النار والعطش أو مما رزقكم الله من غيره من الأشربة فقد قتلنا العطش ﴿قالوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين﴾ أي منع الكافرين شراب الجنة وطعامها قال ابن عباس: ينادي الرجل أخاه وأباه فيقول: قد احترقت فأفض عليَّ من الماء! فيقال لهم أجيبوهم فيقولون: إن الله حرمهما على الكافرين، ثم وصف تعالى الكافرين بقوله ﴿الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً﴾ أي هزءوا من دين الله وجعلوا الدين سخرية ولعباً ﴿وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا﴾ أي خدعتهم بزخارفها العاجلة وشهواتها القاتلة وهذا شأنها مع أهلها تغرُّ وتضر، وتخدع ثم تصرع ﴿فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا﴾ أي ففي هذا اليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا فلم يخطر ببالهم ولم يهتموا به قال الألوسي: الكلام خارجٌ مخرج التمثيل أي نتركهم في النار وننساهم مثل نسيانهم لقاء هذا اليوم العظيم الذي ينبغي ألا يُنسى وقال ابن كثير: أي يعاملهم معاملة من نسيهم لأنه تعالى لا يشذّ عن علمه شيءٌ ولا ينساه ﴿وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ أي وكما كانوا منكرين لآيات الله في الدنيا، يكذبون بها ويستهزءون، ننساهم في العذاب.