وصدَقَتْهم حين لا ينفعهم ولا ينجيهم من سخط الله كثرةُ القيل والقال ﴿فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ﴾ أي هل لنا اليوم شفيع يخلصنا من هذا العذاب؟ استفهام فيه معنى التمني ﴿أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ أو هل لنا من عودة إلى الدنيا لنعمل صالحاً غير ما كنا نعمله من المعاصي وقبيح الأعمال؟ قال تعالى ردّاً عليهم ﴿قَدْ خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي خسروا أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا بالنفيس الباقي من الآخرة، وبطل عنهم ما كانوا يزعمونه من شفاعة الآلهة والأصنام، ثم ذكر تعالى دلائل القدرة والوحدانية فقال ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ أي إن معبودكم وخالقكم الذي تعبدونه هو المنفرد بقدرة الإِيجاد الذي خلق السماوات والأرض في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا قال القرطبي: لو أراد لخلقها في لحظة ولكنه أراد أن يعلِّم العبادَ التثبت في الأمور ﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾ أي استواءً يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيلٍ ولا تحريف كما هو مذهب السلف وكما قال الإِمام مالك رَحِمَهُ اللَّهُ: الاستواء معلوم، والكَيْف مجهول، والإِيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وقال الإِمام أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ: أخبارُ الصفات تُمرُّ كما جاءت بلا تشبيه ولا تعطيل فلا يقال: كيف؟ ولِمَ؟ نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء، وكما شاء بلا حدٍّ ولا صفةٍ يبلغها واصف أو يحدها حادُّ، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما ونكِلُ الكيفية في الصفات إلى علم الله عَزَّ وَجَلَّ وقال القرطبي: لم ينكر أحدٌ من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقةً وإِنما جهلوا كيفية الساتواء فإِنه لا تُعلم حقيقته ﴿يُغْشِي اليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً﴾ أي يغطي الليل على النهار فيذهب بضوئه ويطلبه سريعاً حتى يدركه ﴿والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٍ﴾ أي الجميع تحت قهره ومشيئته وتسخيره ﴿بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر﴾ أي له الملك والتصرف التام في الكائنات ﴿تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين﴾ أي تعظّم وتمجّد الخالق المبدع رب العالمين ﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ أي أدعوا الله تذللاً وسراً بخشوع وخضوع ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين﴾ أي لا يحب المعتدين في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت وفي الحديث
«إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً» ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ أي لا تفسدوا في الأرض بالشرك والمعاصي بعد أن أصلحها الله ببعثة المرسلين ﴿وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ أي خوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته ﴿إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين﴾ أي رحمته تعالى قريبة من المطيعين الذين يمتثلون أوامره ويتركون زواجره ﴿وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أي يرسل الرياح مبشرة بالمطر قال في البحر: ومعنى بين يدي رحمته أي أمام نعمته وهو المطر الذي هو من أجلّ النعم وأحسنها أثراً على الإِنسان ﴿حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً﴾ أي حتى إذا حملت الرياح سحاباً مثقلاً بالماء ﴿سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ أي سقنا السحاب إلى أرض ميتة مجدبة لا نبات فيها ﴿فَأَنْزَلْنَا بِهِ المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات﴾ أي أنزلنا في ذلك البلد الميت الماء فأخرجنا بذلك الماء من كل أنواع الثمرات ﴿كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي مثل هذا الإِخراج نُخرج الموتى من