وَمَلَئِهِ} أي أرسلناه إلى فرعون - ملك مصر في زمن موسى - وقومه ﴿فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ أي كفروا وجحدوا بها ظلماً وعناداً ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين﴾ أي انظر أيها السامع ما آل إليه أمر المفسدين الظالمين كيف أغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه، وهذا أبلغُ في النكال لأعداء الله، وأشفى لقلوب أولياء الله ﴿وَقَالَ موسى يافرعون إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾ أي إني رسولٌ إليك من الخالق العظيم رب كل شيء وخالقه ومليكه ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق﴾ أي جديرٌ بي وحقٌ عليَّ أن لا أخبر عن الله إلا بما هو حقٌ وصدق لما أعلم من جلاله وعظيم شأنه ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ﴾ أي جئتكم بحجة قاطعة من الله تشهد على صدقي فخلِّ واترك سبيل بني إسرائيل حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطنُ آبائهم قال أبو حيان: ولما كان فرعون قد ادعى الربوبية فاتحه موسى بقوله ﴿إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾ لينبهه على الوصف الذي ادعاه وأنه فيه مبطلٌ لا محقٌ، ولما كان قوله ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق﴾ أردفها بما يدل على صحتها وهو قوله ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ ولما قرّر رسالته فرَّع عليها تبليغ الحكم وهو قوله ﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ﴾ ﴿قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ أي قال فرعون لموسى: إن كنت جئت بآية من ربك كما تدّعي فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك في دعواك، قال ذلك على سبيل التعجيز لموسى ﴿فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ أي فإِذا بها حية ضخمة طويلة قال ابن عباس: تحولت إلى حية عظية فاغرة فاها مسرعةً نحو فرعون ﴿مُّبِينٌ﴾ أي ظاهر لا متخيَّل ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ أي أخرجها من جيبة فإذا هي بيضاء بياضاً نورانياً عجيباً يغلب نورها نور الشمس قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض ﴿قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ أي قال الأشراف منهم وهم أصحاب مشورته إن هذا عالمٌ بالسحر ماهرٌ فيه، وقولهم ﴿عَلِيمٌ﴾ أي بالغٌ الغاية في علم السحر وخدعه وفنونه ﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾ أي يخرجكم من أرض مصر بسحره ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ أي بأي شيء تأمرون أن نفعل في أمره؟ وبأي شيء تشيرون فيه؟ قال القرطبي: قال فرعون: فماذا تأمرون وقيل: هو من قول الملأ أي قالوا لفرعون وحده ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ كما يُخاطب الجبارون والرؤساء: ما ترون في كذا ﴿قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ﴾ أي أخَّر أمرهما حتى ترى رأيك فيهما وأرسلْ في أنحاء البلاد من يجمع لك السحرة ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ أي يأتوك بكل ساحرٍ مثله ماهر في السحر، وكان رؤساء السحرة بأقصى صعيد مصر ﴿وَجَآءَ السحرة فِرْعَوْنَ قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين﴾ في الكلام محذوفٌ يدل عليه السياق وهو أنه بعث إلى السحرة وطلب أن يُجمعوا له فلما جاءوا فرعون قالوا: إنَّ لنا لأجراً عظيماً إن نحن غلبنا موسى وهزمناه وأبطلنا سحره؟ ﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين﴾ أي قال فرعون: نعم لكم الأجر