الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} أي اخترتك على أهل زمانك بالرسالة الإِلهية وبتكليمي إِياك بدون واسطة ﴿فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ﴾ أي خذ ما أعطيتك من شرف النبوة والحكمة ﴿وَكُنْ مِّنَ الشاكرين﴾ واشكر ربك على ما أعطاك من جلائل النعم قال أبو السعود: والآية مسوقة لتسليته عليه السلام من عدم الإِجابة إِلى سؤال الرؤية كأنه قيل: إِن منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظام ما لم أعط أحداً من العالمين فاغتنمها وثابرْ على شكرها ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي كتبنا له كل شيء كان أبو إِسرائيل محتاجين إِليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام مبيّنة للحلال والحرام كلُّ ذلك في ألواح التوراة ﴿مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ أي ليتعظوا بها ويزد جروا وتفصيلاً لكل التكاليف الشرعية ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ أي خذ التوراة بجدٍّ واجتهادٍ شأن أولي العزم ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا﴾ أي وأمر بني إِسرائيل بالحث على اختيار الأفضل كالأخذ بالعزائم دون الرخص فالعفو أفضل من القصاص، والصبر أفضل من الانتصار كما قال تعالى
﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: ٤٣] قال ابن عباس: أُمر موسى أن يأخذها بأشدّ مما أُمر به قومه ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين﴾ أي سترون منازل الفاسقين - فرعون وقومه - كيف أقفرت منهم ودُمِّر لفسقهم لتعتبروا فلا تكونوا مثلهم، فإِن رؤيتها وهي خالية عن أهلها موجبة للاعتبار والانزجار ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾ أي سأمنع المتكبرين عن فهم آياتي فلا يتفكرون) ولا يتدبرون بما فيها، وأطمس على قلوبهم عقوبةً لهم على تكبرهم قال الزمخشري: وفيه إِنذار للمخاطبين من عاقبة الذين يُصرفون عن آيات الله لتكبرهم وكفرهم بها لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم ﴿وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا﴾ أي وإِن يشاهدوا كل آية قرآنية من الآيات المنزلة عليهم أو يرَوْا كل معجزة ربانية لا يصدقوا بها ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ أي وإِن يروا طريق الهدى والفلاح لا يسلكوه ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ أي وإِن يروا طريق الضلال والفساد سلكوه كقوله
﴿فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى﴾ [فصلت: ١٧] ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي ذلك الانحراف عن هَدْي الله وشرعه بسبب تكذيبهم بآيات الله ﴿وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ أي وغفلتهم عن الآيات التي بها سعادتهم حيث لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي جحدوا بما أنزل الله ﴿وَلِقَآءِ الآخرة﴾ أي وكذبوا بلقاء الله في الآخرة أي لم يؤمنوا بالبعث بعد الموت ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أي بطلت أعمالهم الخيرية التي عملوها في الدنيا من إِحسانٍ وصلة رحم وصدقة وأمثالها وذهب ثوابها لعدم الإِيمان ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي هل يُثابون أو يعاقبون إِلما بما عملوا في الدنيا؟ ﴿واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ﴾ قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى عن ضلال من ضلَّ من بني إِسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامريُّ من الحليّ، فشكّل لهم منه عجلاً جداً لا روح فيه وقد احتال بإِدخال الريح فيه حتى صار يسمع له خُوار أي صوتٌ كصوت البقر ومعنى ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أي من بعد ذهاب موسى إِلى الطور لمناجاة ربه ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً﴾ الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي كيف عبدوا العجل واتخذوه إِلهاً مع أنه ليس فيه شيء