فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا} أي أوقعهما في الزلة بسببها وأغواهما بالأكل منها هذا إذا كان الضمير عائداً إلى الشجرة، أما إذا كان عائداً إلى الجنة فيكون المعنى أبعدهما وحوّلهما من الجنة ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ أي من نعيم الجنة ﴿وَقُلْنَا اهبطوا﴾ أي اهبطوا من الجنة إلى الأرض والخطاب لآدم وحواء وإبليس ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ أي الشيطان عدوّ لكم فكونوا أعداء له كقوله
﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً﴾ [فاطر: ٦] ﴿وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ﴾ أي لكم في الدنيا موضع استقرار بالإقامة فيها ﴿وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾ أي تمتع بنعيمها إلى وقت انقضاء آجالكم ﴿فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ أي استقبل آدم دعوات من ربه ألهمه إياها فدعاه بها وهذه الكلمات مفسّرة في موطن آخر في سورة الأعراف ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ [الآية: ٢٣] الآية ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ أي قبل ربه توبته ﴿إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم﴾ أي إِن الله كثير القبول للتوبة، واسع الرحمة للعباد ﴿قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً﴾ كرر الأمر بالهبوط للتأكيد ولبيان أنَّ إقامة آدم وذريته في الأرض لا في الجنة ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾ أي رسول أبعثه لكم، وكتاب أنزله عليكم ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ﴾ أي من آمن بي وعمل بطاعتي ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي لا ينالهم خوف ولا حزن في الآخرة ﴿والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾ أي جحدوا بما أنزلت وبما أرسلت ﴿أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي هم مخلدون في الجحيم أعاذنا الله منها.
البَلاَغة: أولاً: صيغة الجمع ﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ للتعظيم، وهي معطوفة على قوله ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ [البقرة: ٣٠] وفيه التفات من الغائب إلى المتكلم لتربية وإظهار الجلالة.
ثانياً: أفادت الفاء في قوله ﴿فَسَجَدُواْ﴾ أنهم سارعوا في الامتثال ولم يتثبطوا فيه، وفي الآية إيجاز بالحذف أي فسجدوا له وكذلك ﴿أبى﴾ مفعوله محذوف أي أبى السجود.
ثالثاً: قوله ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ المنهي عنه هو الأكل من ثمار الشجرة، وتعليق النهي بالقرب منها ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ لقصد المبالغة في النهي عن الأكل، إذ النهي عن القرب نهي عن الفعل بطريق أبلغ كقوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى﴾ [الإسراء: ٣٢] فنهى عن القرب من الزنى ليقطع الوسيلة إلى ارتكابه.
رابعاً: التعبير بقوله ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ أبلغ في الدلالة على فخامة الخيرات مما لو قيل: من النعيم أو الجنة، فإن من أساليب البلاغة في الدولة على عظم الشيء أن يعبّر عنه بلفظ مبهم نحو ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ لتذهب نفس السامع في تصور عظمته وكماله إلى أقصى ما يمكنها أن تذهب إِليه.
خامساً: ﴿التواب الرحيم﴾ من صيغ المبالغة أي كثير التوبة واسع الرحمة.
الفوَائِد: الأولى: كيف يصح السجود لغير الله؟ والجواب أن سجود الملائكة لآدم كان للتحية وكان سجود تعظيم وتكريم لا سجود صلاةٍ وعبادة، قال الزمخشري: السجود لله تعالى على سبيل


الصفحة التالية
Icon