ببعثته وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم ﴿يَأْمُرُهُم بالمعروف وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر﴾ أي لا يأمر إلا بكل شيء مستحسن ولا ينهي إلا عن كل شيء قبيح ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث﴾ أي يحل لهم ما حرّم عليهم من الأشياء الطيبة بشؤم ظلمهم ويُحرّم عليهم ما يستخبث من نحو الدم والميتة ولحم الخنزير ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ أي يخفف عنهم ما كلفوه من التكاليف الشاقة التي تشبه الأغلال كقتل النفس في التوبة وقطع موضع النجاسة من الثوب والقصاص من القاتل عمداً كان القتل أو خطأً وشبه ذلك ﴿فالذين آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ﴾ أي فالذين صدقوا بمحمد وعظّموه ووقّره ونصروا دينه ﴿واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ﴾ أي واتبعوا قرآنه المنير وشرعه المجيد ﴿أولئك هُمُ المفلحون﴾ أي هم الفائزون بالسعادة السرمدية ﴿قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾ هذا بيان لعموم رسالته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لجميع الخلق أي قل يا محمد للناس إني رسولٌ من عند الله إلى جميع أهل الأرض ﴿الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض﴾ أي المالك لجميع الكائنات ﴿لا إله إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أي لا ربَّ ولا معبود سواه فهو الإِله القادر على الإِحياء والإِفناء ﴿فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ﴾ أي صدّقوا بآيات الله وصدقوا برسوله المبعوث إلى جميع خلقه ﴿النبي الأمي الذي يُؤْمِنُ بالله وَكَلِمَاتِهِ﴾ أي آمنوا بالنبي الأمي صاحب المعجزات الذي لا يقرأ ولا يكتب المصدق بالكتب التي أنزلها الله عليه وعلى غيره من الأنبياء ﴿واتبعوه لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي اسلكوا طريقة واقتفوا أثره رجاء اهتدائهم إلى المطلوب ﴿وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ أي ومن بنى إسرائيل جماعة مستقيمون على شريعة الله يهدون الناس بكلمة الحق لا يجورون قال الزمخشري: لما ذكر تعالى الذين تزلزلوا منهم من الدين وارتابوا حتى أقدموا على العظيمتين: عبادة العجل، وطلب رؤية الله، ذكر أن منهم أمة موقنين ثابتين يهدون الناس بكلمة الحق ويدلونهم ويرشدونهم على الاستقامة ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً﴾ أي وفرقنا بني إسرائيل فجعلناهم قبائل شتّى اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولداً من أولاد يعقوب قال أبو حيان: أي فرقناهم وميّزناهم أسباطاً ليرجع أمر كل سبط أي» قبيلة «إلى رئيسة ليخفَّ أمرهم على موسى لئلا يتحاسدوا فيقع الهرج، ولهذا فجّر لهم اثنتي عشرة عيناً لئلا يتنازعوا ويقتتلوا على الماء، وجعل لكل سبطٍ نقيباً ليرجعوا في أمورهم إليه ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ﴾ أي حين استولى عليهم العطش في التيه ﴿أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ الحجر﴾ أي أوحينا إليه أن يضرب الحجر بعصاه فضربه ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾ أي انفجرت من الحجر اثنتا عشرة عيناً من الماء بعدد الأسباط ﴿فانبجست مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً﴾ أي قد عرف كل سبطٍ وجماعة منهم عينهم الخاصة بهم قال الطبري: لا يدخل سبطٌ على غيره في شربه ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغمام﴾ أي جعلنا الغمام يكنّهم من حر الشمس ويقيهم من أذاها قال الألوسي: وكان الظلُّ يسير بسيرهم ويسكن بإقامتهم ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ المن والسلوى﴾ أي وأكرمناهم بطعام شهي هو ﴿المن﴾ وهي شيء حلوٌ ينزل على الشجر