من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم؟ ﴿قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ﴾ أي قال الناهون: إنما نعظهم لنعذر عند الله بقيامنا بواجب النصح والتذكير ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أي ينزعون عمَّاهم فيه من الإِجرام قال الطبري: أي لعلهم أن يتقوا الله فينيبوا إلى طاعته ويتوبوا من معصيتهم إيّاه وتعدّيهم الاعتداء في السبت ﴿فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ أي فلما تركوا ما ذكّرهم به صلحاؤهم ترك الناسي للشيء وأعرضوا عن قبول النصيحة إعراضاً كلياً ﴿أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السواء﴾ أي نجينا الناهين عن الفساد في الأرض ﴿وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ أي وأخذنا الظالمين العصاة بعذابٍ شديد وهم الذين ارتكبوا المنكر ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ أي بسبب فسقهم وعصيانهم لأمر الله ﴿فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ﴾ أي فلما استعصوا وتكبروا عن ترك ما نهو عنه ﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ أي مسخناهم إلى قردة الخنازير، والمعنى أنهم عُذبوا أولاً بعذاب شديد فلما لم يرتدعوا وتمادوا في الطغيان مسخوا قردة وخنازير، والحاصل أن أصحاب القرية انقسموا ثلاث فرق: فرقةٌ عصتْ فحلَّ بها العذاب، وفرقة نهت ووعظت فنجاها الله من العذاب، وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تُقارف المعصية وقد سكت عنها القرآن قال ابن عباس: ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة أنجوا أم هلكوا؟ قال عكرمة: فلم أزل به حتى عرّفته أنهم قد نجوا لأنهم كرهوا ما فعله أولئك، فكساني حلة ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة مَن يَسُومُهُمْ سواء العذاب﴾ أي واذكر يا محمد حين أعلم ربك ليسلطنَّ على اليهود إلى قيام الساعة من يذيقهم أسوأ العذاب بسبب عصيانهم ومخالفتهم أمر الله واحتيالهم على المحارم، وقد سلّط الله عليهم بختنصّر فقتلهم وسباهم، وسلّط عليهم النصارى فأذلوهم وضربوا عليهم الجزية، وسلَّط عليهم محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فطهَّر الأرض من رجسهم وأجلاهم عن الجزيرة العربية، وسلّط عليهم أخيراً» هتلر «فاستباح حماهم وكاد أن يبيدهم ويفنيهم بالقتل والتشريد في الأرض، ولا يزال وعد الله بتسليط العذاب عليهم سارياً إلى أن يقتلهم المسلمون في المعركة الفاصلة إن شاء الله ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي سريع العقاب لمن عصاه وغفورٌ رحيم لمن أطاعه ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً﴾ أي فرّقناهم في البلاد طوائف وفرقاً ففي كل بلدة فرقة منهم، وليس لهم إقليم يملكونه حتى لا تكون لهم شركة، وما اجتمعوا في الأرض المقدسة في هذه الأيام إلا ليذبحوا بأيدي المؤمنين إن شاء الله كما وعد بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث قال:
«لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود..»
الحديث أخرجه مسلم ثم بيّن تعالى أنهم ليسوا جميعاً فجاراً بل فيهم الأخيار وفيهم الأشرار فقال ﴿مِّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك﴾ أي منهم من آمن وهم قلة قليلة ومنهم من انحطّ عن درجة الصلاح بالكفر والفسوق وهم الكثرة الغالبة ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي اختبرناهم بالنعم والنقم والشدة والرخاء لعلهم يرجعون عن الكفر والمعاصي ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكتاب﴾ قال ابن كثير: أي خلف من بعد ذلك الجيل الذي فيهم الصالح والطالح خلْفٌ آخر لا خير فيهم ورثوا الكتاب


الصفحة التالية
Icon