تعريضٌ باليهود فقد أوتوا التوراة وعرفوا صفة النبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وانسلخوا من حكم التوراة ﴿فاقصص القصص لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي اقصص على أمتك ما أوحينا إليك لعلهم يتدبرون فيها ويتعظون ﴿سَآءَ مَثَلاً القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي بئس مثلاً مثلُ القوم المكذبين بآيات الله ﴿وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾ أي وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم فإن وباله لا يتعداها ﴿مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي وَمَن يُضْلِلْ فأولئك هُمُ الخاسرون﴾ أي من هداه الله فهو السعيد الموفق، ومن أضله فهو الخائب الخاسر لا محالة، والغرضُ من الآية بيان أن الهداية والإضلال بيد الله ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجن والإنس﴾ أي خلقنا لجهنم ليكونوا حطباً لها خلقاً كثيراً كائناً من الجن والإِنس، والمراد بهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ أي لهم قلوب لا يفهمون بها الحق ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ أي لا يبصرون بها دلائل قدرة الله بصر اعتبار ﴿وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ﴾ أي لا يسمعون بها الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاذ، وليس المراد نفي السمع والبصر بالكلية وإنما المراد نفيها عما ينفعها في الدين ﴿أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ أي هم كالحيوانات في عدم الفقه والبصر والاستماع هم أسوأ حالاً من الحيوانات فإنها تدرك منافعها ومضارها وهؤلاء لا يميزون بين المنافع والمضار ولهذا يُقْدمون على النار ﴿أولئك هُمُ الغافلون﴾ أي الغارقون في الغفلة ﴿وَللَّهِ الأسمآء الحسنى فادعوه بِهَا﴾ أي لله الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها لإِنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها فسمّوه بتلك الأسماء ﴿وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ﴾ أي اتركوا الذين يميلون في أسمائه تعالى عن الحق كما فعل المشركون حيث اشتقوا لآلهتهم أسماء منها كاللات من الله، والعُزَّى من العزيز، ومناة من المنّان ﴿سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي سينالون جزاء ما عملوا في الآخرة ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ أي ومن بعض الأمم التي خلقنا أمة مستمسكة بشرع الله قولاً وعملاً يدعون الناس إلى الحق وبه يعملون ويقضون قال ابن كثير: والمراد في الآية هذه الأمة المحمدية لحديث
«لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خَذَلَهم ولا من خَالفَهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» وهذه الطائفة لا تختص بزمان دون زمان بل هم في كل زمان وفي كل مكان، فالإِسلام دائماً يعلو ولا يُعلى عليه وإن كثر الفُسَّاق وأهل الشر فلا عبرة فيهم ولا صَوْلة لهم، وفي الحديث بشارة عظيمة لهذه الأمة المحمدية بأن الإِسلام في علوّ شرف وأهله كذلك إلى قرب الساعة ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي والذين كذبوا بالقرآن من أهل مكة وغيرهم سنأخذهم قليلاً وندنيهم من الهلاك نم حيث لا يشعرون قال البيضاوي: وذلك بأن تتواتر عليهم النعم، فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم فيزدادوا بطراً وانهماكاً في الغيِّ حتى تحق عليهم كلمة العذاب ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أي وأمهلهم ثم آخذهم أخذ عزيز مقتدر كما في الحديث الشريف «إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته» ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أي أخذي وعقابي قوي شديد وإنما سمّاه كيداً لأن ظاهره إحسانٌ وباطنه خذلان ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ﴾ أي أولم يتفكر هؤلاء المكذبون