نعمته تعالى عليهم في إنشائه إياهم متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ أي استمرت به إلى حين ميلاده ﴿فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ﴾ أي ثقل حملها وصارت به ثقيلة لكبر الحمل في بطنها ﴿دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا﴾ أي دعوا الله مربيهما ومالك أمرهما ﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾ أي لئن رزقتنا ولداً صالحاً سويَّ الخِلْقة لنشكرنَّك على نعمائك ﴿فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً﴾ أي فلما وهبهما الولد الصالح السويّ ﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا﴾ أي جعل هؤلاء الأولاد والذرية شركاء مع الله فعبدوا الأوثان والأصنام ﴿فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنزّه وتقدّس الله عما ينسبه إليه المشركون ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً﴾ الاستفهام للتوبيخ أي أيشركون مع الله ما لا يقدر على خلق شيء أصلاً ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أي والحال أن تلك الأوثان والآلهة مخلوقة فكيف يعبدونها مع الله؟ قال القرطبي: وجمع الضمير بالواو والنون لأنهم اعتقدوا أن الأصنام تضر وتنفع فأجريت مجرى الناس ﴿وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً﴾ أي لا يستطيع هذه الأصنام نصر عابديها ﴿وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾ أي ولا ينصرون أنفسهم ممن أرادهم بسوء، فهم في غاية العجز والذلة فكيف يكونون آلهة؟ ﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ﴾ أي أن الأصنام لا تجيب إذا دعيت إلى خير أو رشاد لأنها جمادات ﴿سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامتون﴾ أي يتساوى في عدم الإِفادة دعاؤكم لهم وسكوتكم قال ابن كثير: يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء لديها من دعاها ومن دحاها كما قال إبراهيم
﴿ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً﴾ [مريم: ٤٢] ﴿إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ أي إن الذين تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام وتسمونهم آلهة مخلوقون مثلكم بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش وتلك لا تفعل شيئاص من ذلك فلهذا قال ﴿فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أمرٌ على جهة التعجيز والتبكيت أي أدعوهم في جلب نفع أو دفع ضرٍّ إن كنتم صادقين في دعوى أنها آلهة {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ


الصفحة التالية
Icon