لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي لعلهم يتعظون بما شاهدوا فيرتدعوا والمعنى: اجعلهم عبرة لغيرهم حتى لا يبقى لهم قوة على محاربتك ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً﴾ أي وإِن أحسست يا محمد من قوم معاهدين خيانة للعهد ونكثاً بأمارات ظاهرة ﴿فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ﴾ أي اطرح إِليهم عهدهم على بينة ووضوح من الأمر قال النحاس: هذا من معجز ما جاء في القرآن مما لا يوجد في الكلام مثله على اختصاره وكثرة معانيه والمعنى: وإِما تخافن من قوم - بينك وبينهم عهد - خيانة فانبذ إِليهم العهد أي قل لهم قد نبذت إِليكم عهدكم وأنا مقاتلكم، ليعلموا ذلك فيكونوا معك في العلم سواء، ولا تقاتلهم وبينك وبينهم عهد وهم يثقون بك فيكون ذلك خيانة وغدراً ﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين﴾ وهذا كالتعليل للأمر بنبذ العهد أي لا يحب من ليس عنده وفاء ولا عهد ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ سبقوا﴾ أي لا يظنن هؤلاء الكفار الذين أفلتوا يوم بد من القتل أنهم فاتونا فلا نقدر عليهم، بل هم في قبضتنا وتحت مشيئتنا وقهرنا ﴿إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾ كلام مستأنف أي إِنهم لا يُعجزون ربهم، بل هو قادر على الانتقام منهم في كل لحظة، لا يعجزه أحد في الأرض ولا في السماء ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ﴾ أي أعدوا لقتال أعدائكم جميع أنواع القوة: المادية، والمعنوية قال الشهاب: وإِنما ذكر القوة هنا لأنه لم يكن لهم في بدر استعداد تام، فنُبهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان ﴿وَمِن رِّبَاطِ الخيل﴾ أي الخيل التي تربط في سبيل الله ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ﴾ أي تُخيفون بتلك القوة الكفار أعداء الله وأعداءكم ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾ أي وترهبون به آخرين غيرهم قال ابن زيد: هم المنافقون وقال مجاهد: هم اليهود من بني قريظة والأول أصح لقوله ﴿لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ﴾ أي لا تعلمون ما هم عليه من النفاق ولكن الله يعلمهم ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي وما تنفقوا في الجهاد وفي سائر وجوه الخيرات ﴿يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ أي تُعْطون جزاءه وافياً كاملاً يوم القيامة ﴿وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ أي لا تنقصون من ذلك الأجر شيئاً.
البَلاَغَة: ١ - ﴿مِّن شَيْءٍ﴾ التنكير للتقليل.
٢ - ﴿على عَبْدِنَا﴾ ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بلفظ العبودية وإِضافته إِلى الله للتشريف والتكريم.
٣ - ﴿بِالْعُدْوَةِ الدنيا﴾ بين لفظ «الدنيا» و «القصوى» طباق.
٤ - ﴿لِّيَهْلِكَ ويحيى﴾ استعار الهلاك والحياة للكفر والإِيمان، وبين «يهلك» و «يحيا» طباقٌ.
٥ - ﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ أي تذهب قوتكم وشوكتكم وهو من باب الاستعارة أيضاً.
تنبيه: يأمرنا الله تعالى بإِعداد القوة لقتال الأعداء، وقد جاء التعبير عاماً ﴿مِّن قُوَّةٍ﴾ ليشمل القوة المادية، والقوة الروحية، وجميع أسباب القوة، وكيف لا يطمع العدو بالممالك الإِسلامية وهو لا يرى عندنا معامل للأسلحة، وذخائر للحرب، بل كلها مما يشتريه المسلمون من بلاد العدو؟ فلا بد لنا من العودة إِلى تعاليم الإِسلام إِذا ما أردنا حياة العزة والكرامة.


الصفحة التالية
Icon