لنصرة دين الله ﴿فَتَرَبَّصُواْ﴾ أي انتظروا وهو وعيد شديد وتهديد ﴿حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ﴾ أي بعقوبته العاجلة أو الآجلة ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين﴾ أي لا يهدي الخارجين عن طاعته إِلى طريق السعادة، وهذا وعيد لمن آثر أهله، أو ماله، أو وطنه، على الهجرة والجهاد، ثم ذكرهم تعالى بالنصر على الأعداء في مواطن اللقاء فقال ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ أي نصركم في مشاهد كثيرة، وحروب عديدة ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ أي ونصركم أيضاً يوم حنين بعد الهزيمة التي منيتم بها بسبب اغتراركم بالكثرة ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً﴾ أي حين أعجبكم كثرة عددكم فقلتم: لن نغلب اليوم من قلة، وكنتم اثني عشر ألفاً وأعداؤكم أربعة آلاف، فلم تنفعكم الكثرة ولم تدفع عنكم شيئاً ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ﴾ أي وضاقت الأرض على رحبها وكثرة اتساعها بكم من شدة الخوف ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾ أي وليتم على أدباركم منهزمين قال الطبري: يخبرهم تبارك وتعالى أن النصر بيده ومن عنده، وأنه ليس بكثرة العدد، وأنه ينصر القليل على الكثير إِذا شاء، ويخلي القليل فيهزم الكثير، قيل للبراء بن عازب: أفررتم عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوم حنين؟ فقال البراء: أشهد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يفر: ولقد رأيته على بغلته البيضاء - وأبو سفيان آخذ بلجامها يقودها - فلما غشية المشركون نزل فجعل يقول:
أنا النبي لا كذب... أنا ابن عبد المطلب
ثم أخذ قبضة من تراب فرمى بها في وجوه المشركين وقال: شاهت الوجوه ففروا، فما بقي أحد إِلا ويمسح القذى عن عينيه، وقال البراء: «كنا والله إِذا حميَ البأس نتقي برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإِن الشجاع منا الذي يحاذيه» ﴿ثُمَّ أَنَزلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين﴾ أي أنزل بعد الهزيمة الأمن والطمأنينة على المؤمنين حتى سكنت نفوسهم قال أبو السعود: أي أنزل رحمته التي تسكن بها القلوب وتطمئن إليها ﴿وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾ قال ابن عباس: يعني الملائكة ﴿وَعذَّبَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي بالقتل والأسر وسبي النساء والذراري ﴿وذلك جَزَآءُ الكافرين﴾ أي وذلك عقوبة الكافرين بالله. ﴿ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ﴾ أي يتوب على من يشاء فيوفقه للإِسلام، وهو إِشارة إِلى إِسلام هوازن ﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي عظيم المغفرة واسع الرحمة ﴿ياأيها الذين آمنوا إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ﴾ أي قذر لخبث باطنهم قال ابن عباس: أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير، وقال الحسن: من صافح مشركاً فليتوضأ، والجمهور على أن هذا على التشبيه أي هم بمنزلة النجس أو كالنجس لخبث اعتقادهم وكفرهم بالله جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة في الوصف على حد قولهم: عليٌّ أسدٌ أي كالأسد ﴿فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا﴾ أي فلا يدخلوا الحرم، أطلق المسجد الحرام وقصد به الحرم كله قال أبو السعود: وقيل: المراد المنع عن الحج والعمرة أي لا يجحدوا ولا يعتمروا بعد حج عامهم هذا وهو عام تسع من الهجرة ويؤيده حديث
«وألاّ يحج


الصفحة التالية
Icon