فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} أي نجيناكم من الغرق وأغرقنا فرعون وقومه ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ أي وأنتم تشاهدون ذلك فقد كان آية باهرة من آيات الله في إِنجاء أوليائه وإِهلاك أعدائه ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ أي وعدنا موسى أن نعطيه التوراة بعد أربعين ليلة وكان ذلك بعد نجاتكم وإِهلاك فرعون ﴿ثُمَّ اتخذتم العجل﴾ أي عبدتم العجل ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أي بعد غيبته عنكم حين ذهب لميقات ربه ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ أي معتدون في تلك العبادة ظالمون لأنفسكم ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم﴾ أي تجاوزنا عن تلك الجريمة الشنيعة ﴿مِّن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أي بعد ذلك الاتخاذ المتناهي في القبح ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي لكي تشكروا نعمة الله عليكم وتستمروا بعد ذلك على الطاعة ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان﴾ أي واذكروا نعمتي أيضاً حين أعطيت موسى التوراة الفارقة بين الحق والباطل وأيدته بالمعجزات ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي لكي تهتدوا بالتدبر فيها والعمل بما فيها من أحكام.
ثم بيَّنَ تعالى كيفية وقوع العفو المذكور بقوله ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي واذكروا حين قال موسى لقومه بعدما رجع من الموعد الذي وعده ربه فرآهم قد عبدوا العجل يا قوم لقد ظلمتم أنفسكم ﴿باتخاذكم العجل﴾ أي بعبادتكم للعجل ﴿فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ﴾ أي توبوا إِلى من خلقكم بريئاً من العيب والنقصان ﴿فاقتلوا أَنفُسَكُمْ﴾ أي ليقتل البريء منكم المجرم ﴿ذلكم﴾ أي القتل ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ أي رضاكم بحكم الله ونزولكم عند أمره خير لكم عند الخالق العظيم ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ أي قبل توبتكم ﴿إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم﴾ أي عظيم المغفرة واسع التوبة.
البَلاَغَة: قال ابن جزي: ﴿يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب﴾ أي يلزمونهم به وهو استعارة من السَّوْم في البيع وفسَّرَ سوء العذاب بقوله ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ ولذلك لم يعطفه هنا.
ثانياً: التنكير في كل من ﴿بلاء﴾ و ﴿عَظِيمٌ﴾ للتفخيم والتهويل.
ثالثاً: صيغة المفاعلة في قوله ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا﴾ ليست على بابها لأنها لا تفيد المشاركة من الطرفين، وإِنما هي بمعنى الثلاثي ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا﴾.
رابعاً: قال أبو السعود: ﴿فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ﴾ التعرض بذكر البارئ للإِشعار بأنهم بلغوا من الجهالة أقصاها ومن الغواية منتهاها، حيث تركوا عبادة العليم الحكيم، الذي خلقهم بلطيف حكمته، إِلى عبادة البقر الذي هو مثلٌ في الغباوة.
الفوَائِد: الأولى: العطف في قوله ﴿الكتاب والفرقان﴾ هو من باب عطف الصفات بعضها على بعض، لأن الكتاب هو التوراة والفرقان هو التوراة أيضاً وحسن العطف لكون معناه أنه آتاه جامعاً بين كونه كتاباً منزلاً وفرقاناً يفرق بين الحق والباطل.
الثانية: سبب تقتيل الذكور من بني إِسرائيل ما رواه المفسرون أن فرعون رأى في منامه كأنَّ ناراً


الصفحة التالية
Icon