يجاهدوا، فقد جاهد من هو خير منهم وأخلص نية واعتقاداً ﴿وأولئك لَهُمُ الخيرات﴾ أي لهم منافع الدارين: النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في الآخرة ﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾ أي الفائزون بالمطلوب ﴿أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي أعد الله لهم على إِيمانهم وجهادهم بساتين تجري من تحت قصورها الأنهار ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي لايثين في الجنة أبداً ﴿ذلك الفوز العظيم﴾ أي ذلك هو الظفر العظيم الذي لا فوز راءه ﴿وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب﴾ أي جاء المعتذرون من الأعراب الذين انتحلوا الأعذار تخلفوا عن الجهاد ﴿لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾ أي في ترك الجهاد، وهذا بيان لأحوال المنافقين من الأعراب بعد بيان أحوال المنافقين من أهل المدينة، قال البيضاوي: هم «أسد» و «غطفان» استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال ﴿وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي وقعد عن الجهاد الذين كذبوا الله ورسوله في دعوى الإِيمان، وهم قوم لم يجاهدوا ولم يعتذروا عن تخلفهم ﴿سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وعيد لهم شديد أي سينال هؤلاء المتخلفين الكاذبين في دعوى الإِيمان عذاب أليم بالقتل والأسر في الدنيا، والنار في الآخرة ﴿لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى﴾ أي ليس على الشيوخ المسنين، ولا على المرضى العاجزين الذين لا يستطيعون الجهاد لعجزهم أو مرضهم ﴿وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ﴾ أي الفقراء الذين لا يجدون نفقة للجهاد ﴿حَرَجٌ﴾ أي إِثم في القعود ﴿إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي أخلصوا الإِيمان والعمل الصالح، فلم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم، ولم يثيروا الفتن، فليس على هؤلاء حرج إِذا تركوا الغزو لأنهم أصحاب أعذار ﴿مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ﴾ أي ليس عليهم جناح ولا إِلى معاتبتهم سبيل قال في التسهيل: وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله، ورفع عنهم العقوبة والتعنيف واللوم، وهذا من بليغ الكلام لأن معناه: لا سبيل لعاتب عليهم، وهو جارٍ مجرى المثل ﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي عظيم المغفرة والرحمة حيث وسع على أهل الأعذار ﴿وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ نزلت في البكائين الذين أرادوا الغزو مع رسول الله ولم يجد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما يحملهم عليه قال البيضاوي: هم البكاءون سبعة من الأنصار أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالوا: قد نذرنا الخروج فاحملنا نغزو معك، فقال عليه السلام: لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم يبكون ﴿قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي ليس عندي ما أحملكم عليه من الدواب ﴿تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع حَزَناً﴾ أي انصرفوا وأعينهم تسيل دمعاً من شدة الحزن ﴿أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ﴾ أي لأنهم لم يجدوا ما ينفقونه لغزوهم، ولم يكن عند رسول الله ما يحملهم عليه ﴿إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ﴾ أي إِنما الإِثم والحرج على الذين يستأذنونك في التخلف وهم قادرون على الجهاد وعلى الإِنفاق لغناهم ﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف﴾ أي رضوا بأن يكونوا مع النساء والمرضى والعجزة ﴿وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي ختم عليها فهم لذلك لا يهتدون.
البَلاَغَة: ١ - ﴿يَعْلَمُ... عَلاَّمُ الغيوب﴾ بين يعلم وعلام جناس الاشتقاق.


الصفحة التالية
Icon